نَبَا بِكَ دَهْرٌ بِالأَفَاضِلِ نَابِي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
نَبَا بِكَ دَهْرٌ بِالأَفَاضِلِ نَابِي | وَبُدِّلْتَ قَفْراً مِنْ خَصِيبِ جَنَابِ |
بِرَغْمِ العُلَى أَنْ يُمْسِيَ الصَّفْوَةُ الأُلَى | بَنَوْا شُرُفَاتِ العِزِّ رَهْنَ يَبَابِ |
تَوَلَّوْا فَأَقْوَتْ مِنْ أَنِيسٍ قُصُورُهُمُ | وَبَاتُوا سَرَاةَ الدَّهْرِ رَغْمَ تُرَابِ |
أَتَمْضِي أَبَا شَادٍ وَفِي ظَنِّ مَنْ يَرَى | زُهُورَكَ أَنَّ النَّجْمَ قَبْلَكَ خَالِي |
عَزِيزٌ عَلَى القَوْمِ للَّذِينَ وَدِدْتَهُمْ | وَوَدُّوكَ أَنْ تَنْأَى لِغَيْرِ مَآبِ |
وَأَنْ يُبْكِمَ المَوْتُ الأَصَمُّ أَشدَّهُمْ | عَلَى مَنْ عَتَا فِي الأَرْضِ فَصْلَ خِطَابِ |
فَتىً جَامِعُ الأَضْدَادِ شَتَّى صِفَاتُهُ | وَأَغْلَبُها الحُسْنى بِغَيْرِ غِلاَبِ |
مُحَامٍ بِسِحْرِ القَوْلِ يُصْبِي قُضَاتَهُ | فَمَا فِعْلُهُ فِي سَامِعِينَ طِرَابِ |
فَبَيْنَاهُ غِرِّيدٌ إذَا هُوَ ضَيْغَمٌ | زَمَاجِرُهُ لِلحَقِّ جِدُّ غِضَابِ |
وَكَمْ خَلَبَ الأَلْبَابَ مِنْهُ بِمَوقِفٍ | بَلِيغُ حِوَارٍ أَوْ سَدِيدُ جَوَابِ |
رَقيقُ حَديثٍ إِنْ يُشَبَّهْ حَدِيْثُهُ | فَمَا الخَمْرُ زَانَتْهَا عُقُودُ حَبَابِ |
يَسِيلُ فَيُرْوِي النَّفْسَ مِنْ غَيْرِ نَشْوَةٍ | مَسِيلَ نطَافٍ في الغَدَاةِ عِذَابِ |
بمَا يُخْصِبُ الأَذهَانَ مُخْضَلُّ دَرِّهِ | كَمَا يُخْصِبُ القِيعَانَ دَرُّ سَحَابِ |
أَدِيبٌ إذَا مَا درَّ دَرُّ يَرَاعِهِ | تَبَيَّنْتَ أنَّ الفَيْضَ فَيْضُ عُبَابِ |
فَفِي الذِّهْنِ تهْدَارُ الأَتِيِّ وَقَدْ جَرَى | عَلَى أنَّ مَا فِي العَيْنِ صُحْفُ كِتَابِ |
وَفِي الشِّعْرِ كَمْ قَوْلٍ لَهُ رَاقَ سَبْكُهُ | أَتَى الوَحْيُ فِي تَنْزِيلِهِ بِعُجَابِ |
بِهِ نَصَرَ الوَهْمُ الحَقِيقَةَ نُصْرَةً | تُضِيءٌ نُجُوماً مِنْ فُضُولِ ثِقَابِ |
فَأَمَّا المَسَاعِي وَالمُرُوءَاتُ وَالنَّدَى | فَلَمْ يَدْعُهُ مِنْهُنَّ غَيْرُ مُجَابِ |
كَأَنَّ جَنَى كَفَّيْهِ وَقْفٌ مُقَسَّمٌ | فَكُلُّ مُرَجٍ عَائِدٌ بِنِصَابِ |
وَمَا صُدَّ عَنْ إسْعَادِهِ بَاسِطٌ يَداً | وَلاَ رُدَّ عَنْ جَدْوَاهُ طَارِقُ بَاب |
وَلَمْ يَكُ أَوْفَى مِنْهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ | لِمَنْ يَصْطَفِي فِي مَحْضَرٍ وَغِيَابِ |
إذَا هَوَ وَالَى فَهْوَ أَوَّلُ مَنْ يُرَى | مُعِيناً أَخَاهُ حِينَ دَْعِ مُصَابِ |
وَمَا كُلُّ مَنْ صَادَقْتَهُمْ بِأَصَادِقٍِ | وَمَا كُلُّ مَنْ صَاحَبْتَهُمْ بِصِحَابِ |
يَعِفُّ فَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مُؤَمِّلاً | لَهُ الْعَفْوُ مِنْ رَبٍ قَرِيب مَتَابٍ |
وَمَا عَهْدُهُ إِنْ مَحَّصَتْهُ حَقِيقَةٌ | بِزَيْفٍ وَمَا مِيْثَاقُهُ بِكِذَابِ |
وَفِي النَّاسِ مَنْ يُحْلِي لَكَ المُرَّ خِدْعَةً | وَتَرْجِعُ مِنْ جَنَّاتِهِ بِعَذَابِ |
تَذَكَّرْتُ عَهْداً خَالِياً فَبَكَيْتُهُ | وَهَيْهَاتَ طِيبُ العَيشِ بَعْدَ شَبَابِ |
كَأَنِّيَ بِاسْتِحْضَارِهِ نَاظِرٌ إلى | حُلاَهُ وَمُسْتَافٌ زَكِيَّ مَلاَبِ |
بِرُوْحِيَ ذَاكَ الْعَهْدُ كَمْ خَطَرٍ بِهِ | رَكِبْنَا وَكَانَ الجِدُّ مَزْجَ لِعَابِ |
وَهَلْ مَنْ أُمُورٍ فِي الحَيَاةِ عَظِيمَةٍ | بَغَيْرِ صِبا تَمَّتْ وغَيْرِ تَصَابِي |
زَمَانٌ قَضَيْنَا المَجْدَ فِيهِ حُقُوقَهُ | وَلَمْ نَلْهُ عَنْ لَهْوٍ وَرَشْفِ رَُضَابِ |
مَحَضْنَا بِهِ مِصْرَ الهَوَى لاَ تَشُوبُهُ | شَوَائِبُ مِنْ سُؤْلٍ لنا وطِلاَبِ |
وَمَا مِصْرَ إلا جَنَّةُ الأَرْضِ سُيِّجَتْ | بِكُلِّ بَعِيدِ الهَمِّ غَضِّ إِهَابِ |
فَدَاهَا وَلَمْ يَكْرُثْهُ أْن جَارَ حُكْمُهَا | فَذًَلَّ مُحَامِيهَا وَعَزَّ مُحَابي |
فَكَمْ وَقْفَةٍ إذْ ذَاكَ وَ المَوْتُ دُونَهَا | وَقَفْنَا وَمَا نَلْوِي اتِّقَاءَ عِقَابِ |
وَكَمْ كَرَّةٍ فِي الصُّحْفِ وَالسَّوْطُ مُرْهِقٌ | كَرَرْنَا وَمَا نَرْتَاضُ غَيْرَ صِعَابِ |
وَكَمْ مَجْلِسٍ مَمَّ تَوَخَّتْ لَنا المُنَى | غَنِمْنَا بِهِ اللَّذَاتِ غُنْمَ نِهَابِ |
لَنَا مَذْهَبٌ فِي العَيْشِ وَالمَوْتِ تَارِكٌ | قُشُورَ القَضَايَا آخِذٌ بِلُبَابِ |
يَرَى فَوْقَ حُسْنِ النَّجْمِ وَهْوَ مُحَيِّرٌ | سَنَى الرَّجْمِ يَنْقَضُّ انْقِضَاضَ شِهَابِ |
وَمَا هُلْكُ أَفْرَادٍ وَمِصرُ عَزِيزَةٌ | أَمَا أَجَُ الإِنْسَانِ مِنْهُ بِقَابِ |
كَذا كَانَ إِلْفِي لِلفَقِيدِ وَلَم يَكُنْ | لِيَضْرِبَ خِلْفٌ بَيْنَنَا بِحِجَابِ |
حَفِظْتُ لهُ عَهْدِي وَلَوْ بَانَ مَقْتَلِي | لِدَهْرٍ بِهِ جَدُّ المُرُوءَةِ كَابِي |
وَمَا خِفْتُ فِي أنْ أُلْفى كَغَيْرِيَ مُولَعاً | بِخَلْعِ أَحِبَّائي كَخَلْعِ ثِيَابِي |
فَمَا أَنَا مَنْ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَهُ هَوىً | وَلاَ كُلَّ يَوْمٍ لِي جَدِيدُ صَوَابِ |
يَرَانِي صَدِيقِي مِنْهُ حِينَ إيَابِهِ | بِحَيْثُ رَآنِي مِنْهُ حِينَ ذَهَابِ |
وَمَا ضَاقَ صَدْرِي بِالذِينَ وَدِدْتُهُمْ | وَلاَ حَرِجَتْ بِالنَّازِلينَ رِحَابِي |
وَآنَفُ سَعْياً فِي رِكَابٍ فَكَيْفَ بِي | وَِلي كُلَّ حَوْلٍ آَخْذَةٌ بِرِكَابِ |
حَرَامٌ عَلَيْنَا الْفَخْرُ بالشِّعْرِ إنْ تَقَعْ | نُسُورُ مَعَالِيهِ وُقُوعَ ذُبَابِ |
وَمَا كِبْرِيَاءُ القَوْلِ حِينَ نُفُوسُنَا | تَجَاوِيفُ أَرْضٍ فِي انْتِفَاخِ رَوَابي |
وَمَا زَعْمُنَا رَعْيَ الذِّمَامِ وَشَدُّنَا | بِظُفْرٍ عَلَى مَنْ فِي الأَمَامِ وَنَابِ |
زَكِيٍّ لَكَ الإِرْثُ العَظِيمُ مِن العُلَى | وَمَا ثَرْوَةٌ فِي جَنْبِهِ بِحِسَابِ |
فَكُنْ لأَبِيكَ الْبَاذِخِ القَدْرِ مُخْلَفاً | بِأَكْرَمِ ذِكْرَى عَنْ مَظِنَّةِ عَابِ |
وَعِشْ نَابِهاً بِالْعِلْمِ وَالْفَنِّ نَابِغاً | فَخَرُكَ مَوْفُورٌ وَفَضْلُكَ رَابِي |
أَلاَ إِنَّنِي أَبْكي بُكَاءَكَ فَقْدَهُ | وَمَا بِكَ مِنْ حُزْنٍ عَلَيْهِ كَمَا بِي |
قَضَى لِي بِهَذَا الْخَطْبِ فِيمَنْ أُحِبُّهُ | إلهٌ إلَيْهِ فِي الخُطُوبِ مَنَابِي |
فَفِي رَحْمَةِ المَوْلَى أَبُوكَ أَبُو النَّدَى | وَفِي عَفْوِهِ أَحْرَى امْرئٍ بِثَوَابِ |