أحتى إلى العلياءِ يا خطبُ تطمحُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أحتى إلى العلياءِ يا خطبُ تطمحُ | وحَتَّى فُؤادَ المَجْدِ يا حُزْنُ تَجْرَحُ |
أَكُلُّ بقاءٍ للفَناءِ مُؤَهَّلٌ | وكُلُّ حياة ٍ للحِمامِ تُرَشَّحُ |
سَلَبْتَ فَلَمْ تَتْرُكْ لِباقٍ بَقِيَّة ً | فيا دَهْرُ هلاَّ بالأفاضِلِ تسمحُ |
تجافَ عنِ المعروفِ ويحكَ إنَّهُ | لِما يُجْتَوى مِنْ فَاسِدٍ فِيكَ مُصْلِحُ |
إذا كنتَ عنْ ذِي الفضلِ لستَ بصافحٍ | فَواحسْرَتا عَمَّنْ تَكُفُّ وَتصْفَحُ |
خَلِيليَّ قَدْ كانَ الَّذِي كانَ يُتَّقى | فما عُذْرُ عينٍ لا تَجُودُ وتَسْفَحُ |
قِفا فاقضِيا حقَّ المعالِي وقَلَّما | يَقُومُ بِه دَمْعٌ يَجُمُّ وَيطْفَحُ |
فمنْ كانَ قبلَ اليومِ يستقبحُ البُكا | فَقَدْ حَسُنَ اليَوْمَ الَّذِي كانَ يَقْبُحُ |
فلا رُزْءَ مِن هذا أعمُّ مُصِيبة ً | وَلا خَطْبَ مِنْ هذا أمَرُّ وأفْدَحُ |
مُصابٌ لَوَ کنَّ اللَّيْلَ يُمْنَى بِبَعْضِ مَا | تَحَمَّلَ مِنْهُ المَجْدُ مَا كانَ يُصْبِحُ |
وحُزنٌ تساوى الناسُ فيهِ وإنَّما | يَعُمُّ مِنَ الأحْزانِ ما هُوَ أبْرَحُ |
تَرى السَّيْفَ لا يَهْتزُّ فِيه كآبَة ً | وَلا زاعِبِيَّاتِ القَنَا تَتَرَنَّحُ |
فيا للمعالِي والعَوالِي لهالِكٍ | لهُ المجْدُ باكٍ والمَكارِمُ نُوَّحُ |
مَضى مُذْ قَضى تِلْكَ العَشِيَّة َ نَحْبَهُ | وَما كُلُّ مغْبُوقٍ مِنَ العَيْشِ يُصْبَحُ |
لغاضَ لَهُ ماءُ النَّدى وهوَ سائحٌ | وضَاق بهِ صَدْرُ العُلى وَهْوَ أفْيَحُ |
ظَلِلْنا نُجِيلُ الفِكْرَ هَلْ تَمْنَعُ الرَّدَى | كتائِبُهُ واليومَ أرْبَدُ أكلحُ |
فَما مَنَعتْ بُتْرٌ مِنَ البِيضِ قُطَّعٌ | ولا كَفَّ معروفٌ منَ الخيرِ أسجَحُ |
وهيهاتَ ما يَثْنِي الحمامَ إِذا أَتى | جِدَارٌ مُعَلّى ً أوْ رِتاجٌ مُصَفَّحُ |
وَلا مُشْرعاتٌ بالأسِنَّة ُ تَلْتَظِي | ولا عادِياتٌ في الأَعنَّة ِ تضْبَحُ |
وَلا سُؤْدَدٌ جَمٌّ بهِ الخَطْبُ يُزْدَهى | وَلا نَائِلٌ غَمْرٌ بهِ القَطْرُ يُفْضَحُ |
فَياللَّيالِي كَيْفَ أنْجُو مِنَ الرَّدَى | وَخَلْفِي وقُدَّامِي لَهُ أيْنَ أسْرَحُ |
أأرجُو انتصاراً بعدَ ما خُذِلَ النَّدى | وآمُلُ عِزّاً والْكُرامُ تُطَحْطَحُ |
أرى الإلفَ ما بَيْنَ النُّفُوسِ جَنى لَها | جَوانِحَ تُذْكى أوْ مَدامِعَ تَقْرَحُ |
فَيا وَيْحَ إخْوانِ الصَّفَاءِ مِنَ الأسى | إذا ما اسْتَردَّ الدَّهْرُ مَا كانَ يَمْنَحُ |
ومَنْ عاشَ يوماً ساءَهُ ما يسُرُّهُ | وَأحْزَنَهُ الشَّيْءُ الَّذِي كانَ يُفْرِحُ |
عَزاءً جَلالَ المُلْكِ إنَّكَ لَمْ تَزَلْ | بفضلِ النُّهى في مقفلِ الخطب تفتَحُ |
فذا الدَّهرُ مطوِيٌ علَى البُخْلِ بَذْلُهُ | يَعُودُ بِمُرِّ المَذْقِ حِينَ يُصَرِّحُ |
يُساوِي لدَيهِ الفضْلَ بالنَّقْصِ جهلُهُ | وسيَّانِ للمكفوفُ مُمْسى ً ومُصْبَحُ |
وَمِثْلُكَ لا يُعْطِي الدُّمُوعَ قِيادَهُ | ولوْ أنَّ إدْمانَ البُكا لكَ أرْوحُ |
ولوْ كانَ يُبْكى كلُّ ميتٍ بقدرِهِ | إذاً عَلِمَتْ جَمَّاتُها كَيْفَ تُنْزَحُ |
لَسالَتْ نُفُوسٌ لا دُمُوعٌ مُرِشَّة ٌ | وَعَمَّ حِمامٌ لا سقَامٌ مُبَرِّحُ |
وما كنتَ إذْ تلْقى الخُطُوبَ بضارِعِ | لها أبداً أنّى وحلْمُكَ أرجَحُ |
وَكَمْ عَصَفَتْ فِي جانِبَيْكَ فَلَمْ تَبِتْ | لهَا قلِقاً والطَّوْدُ لا يتزحزَحُ |
وأيُّ مُلِمٍّ فِي علائِكَ يَرْتَقِي | وأيُّ الرَّزايا في صفاتِكَ يقدَحُ |