يا ناظِرِيَّ أَلَأياً تَبكِيانِ دَما
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
يا ناظِرِيَّ أَلَأياً تَبكِيانِ دَما | أَهَكَذا عَهدَنا أَن نَحفَظُ الذِمَما |
لَو صارَ كُلُّ سَوادٍ مِنكُما يَقِقا | عَلى الصَديقِ لَمّا أَنصَفتُماهُ لِما |
وَطالَما ذُبتُما شَوقاً لِرُؤيَتِهِ | وَخِلتُماها أَماني النَفسِ وَالنِعَما |
فَالآنَ شَطَّت نَوى ما عِندي أَمَلٌ | في القُربِ فَاِكتَحِلا مِن بَعدِهِ الظَلَما |
ماذا أَقولُ لقَلبي في الدِفاعِ إِذا | أَقامَ قاضي الهَوى ما بَينَنا حَكَما |
وَيَلِمُّها حَسرَةً في القَلبِ باقِيَةً | تَظَلُّ تَحتَ الثَرى تَستَصحِبُ النَدَما |
لَو أَنَّ لي طَيرَ يُمنٍ ما صَبَرَت لَها | وَلا تَبَدَّلتُ مِن بِئزانِها الرَخَما |
وَلا عَداني عَنِ الأَحبابِ عادِيَةً | وَلا حَثَثتُ لِغَيرِ الصَفوَةِ الرُسَما |
وَلا تُخَلَّفتُ عَن مِصرٍ وَمَقدِمَها | وَقَد غَدَت دارَها مِن دارِنا أَمَما |
أَلوذُ بِالدَمعِ كَي أُطفي اللَهيبَ بِهِ | فَأَستَزيدُ كَأَنّي نافِخٌ ضَرَما |
الآنَ حَقٌّ بأَن أَسخو بِأَسخَنِهِ | إِنَّ المَدامِعَ يَتلو حَرَّها الشَبَما |
وَما بُكائي لِخَطبٍ قَد فَقَدَت بِهِ | وَحدي خَليلاً بَراني فَقدُهُ أَلَما |
لَكِن بُكائي عَلى المُبكي بِمِصرَعِهِ | أَهلَ المَشارِقِ بَل مِن غَيرِهِم أُمَما |
وَلَو سَبَقتُ بِهِ الوَرقاءُ ما لَحِقَت | مَناحَتي صاحِبَيهِ السَيفُ وَالقَلَما |
وَالمَجدُ مُكتَسِياً مِن كَفِّهِ حَلَلا | وَالفَضلُ مُرتَقِياً في ظِلِّهِ اُطَما |
وَالشِعرَ أَدرَكَ ما أَعيى زُهَيرَ وَما | فاتَ الكَريمُ عَلى عِلّاتِهِ هِرَما |
خَطَبَ هَوى بِخَباءِ الفَضلِ فَاِنحَطَمَت | أَوتادُهُ وَغَدَت أَطنابُهُ رَمَما |
نَبا بِمَحمودِ سَيفٍ لَو ضُرِبَت بِهِ | حَدَّ الزَمانِ بِكَفِّ السَعدِ لا نَثلَما |
مُصيبَةٌ أَرجَفتُ صُمَّ الجِمادِ فَقُل | في الشارِقِ أَنقَضَ أَو في الشاهِقِ اِنهَدَما |
نَتيجَةُ الوَقتِ لَو آلى بِهِ رَجُلٌ | بِأَنَّهُ فَذُّ هَذا الدَهرِ ما أَثِما |
لَو أَنصَفَتهُ اللَيالي في مَقاسِمِها | لِأَوطَأَتُها عَلى هامِ السُهى قَدَما |
لَو لَم يَكُن فَضلُهُ مِن حَظِّهِ بَدَلاً | ما سامَهُ الدَهرُ إِرهاقاً وَلا حُرِما |
أَو كانَ لِلحَقِّ في تِلكَ الأُمورِ يَدٌ | نَجَت بِهِ الحَجَّةُ البَيضا وَما اِتُّهِما |
ما كانَ يَأمَلُ إِلّا خَيرَ أُمَّتِهِ | وَلا يُرَجّي لَها إِلّا عَزيزَ حمى |
فَإِن يَكُن طاشَ سَهمٌ عَن رَمِيَّتِهِ | فَكَم مَلومٌ عَلى رَميٍ سِواهُ رَمى |
كَم ساءَ أَمرٌ بِحَملِ الجاهِلينَ لَهُ | وَرُبَّما عَقداً بَعضَ مَن نَظَما |
لا يُحسِنُ الأَمرَ إِلّا مَن تَعودُهُ | ما كُلُّ راكِبٍ خَيلٍ يَحفَظُ اللَجَما |
وَما نَجاحُ الفَتى كافٍ لِتُزَكّيهِ | وَلا الحَبوطُ دَليلٌ أَنَّهُ وَهَما |
وَالفَضلُ وَالنَقصُ مَحتومٌ لِزامَهُما | كَأَنَّ بَينَ الرَزايا وَالنُهى رَحِما |
ما زادَ جَوهَرُ سامي الحَكِّ غَيرَ سَنىً | وَلا عَرا قَدرُهُ نَقصٌ بِما اِهتُضِما |
وَقَلَّما الدَهرُ ناوي مِثلَهُ أَسَداً | مِمَّن رَعى تَلَعاتِ المَجدِ وَالأَكَما |
مُهَذَّبٌ لا تَرى في خَلقِهِ عِوَجا | وَصاحِبٌ لَيسَ يَدري وُدَّهُ السَأَما |
لَم يَكفِهِ النَسَبُ العالي فَضَمَّ لَهُ | أَصلاً وَفَصلاً لَعَمري ما رَسا وَسَما |
كانَ الأَوائِلُ في الأَنظارِ مُزعِجَةٌ | حَتّى أَتى فَشَأى مَن جَدَّ مَن قَدُما |
وَلَيسَ مِن نابِتٍ في عَصرِنا أَدَباً | إِلّا بِغَيثٍ مَعانيهِ زَكا وَنَما |
ما الجاهِلِيُّ وَلا ذاكَ المُخَضرَمُ لا | وَلا المُوَلَّدُ مَعَهُ حائِزٌ قِسَما |
وَكُلُّ نابِغَةٍ في الشِعرِ مُلتَمِسٌ | مِن كَأسِهِ رَشَفاتٍ كَي يُبَل ظَما |
لَو جاءَ في الزَمَنِ المَاضي وَعاصِرُهُ | حَكيمُ كِندَةَ لَم يَزعُم بِما زَعَما |
أَو كانَ أَدرَكَ عَصراً قَد تَقَدَّمَهُ | عَيّى حَبيبٌ عَنِ الإِنشادِ مُعتَصِما |
يَصطادُ كُلَّ شَرودٍ في قَصائِدِهِ | فَلَيسَ بَيتٌ لَهُ عَن صِيدِها حَرَما |
أَو هَت فَصاحَتُهُ الأَقوالُ أَمتَنَها | حَتّى تَكادُ عَلَيها تُؤَثِّرُ البَكَما |
وَرَدَّ فاسُها في الجَريِ راجِلَها | حَتّى تَساوى أَخو جَهلٍ وَمَن عَلِما |
فَاِنعو لَنا الشِعرَ وَالآدابَ قاطِبَةً | مَعَهُ وَقولوا لِشَوقي إِنَّهُ يَتِما |
مَن لِلبَدائِعِ أَو مَن لِلصَنائِعِ أَو | مَن لِلوَقائِعِ إِمّا داهِمٌ دَهَما |
مِن لِلصَوارِمِ أَو مَن لِلمَكارِمِ أَو | مَن لِلمَغارِمِ أَضحى عَقدُها اِنفَصَما |
يا يَومَ مَحمودَ ما أَبقَيتَ مُحَمَّدَةً | إِلّا وَأَورَدتَها في نَحبِهِ العَدَما |
تِلكَ الخَلالُ فَهَل آتَ يُجَدِّدَها | أَو هَل تَرى أَمَلُ العَليا بِها حُلُما |
هَيهاتَ يُسعِدُها شَهمٌ يُتاحُ لَها | فَالدَهرُ أَلأَمُ مِن هَذا النَدى شِيَما |
لَن يَهتَدي بَعدَ مَحمودٍ دَليلٌ ثَنا | وَلَستَ تُبصِرُ هَذا الجُرحَ مُلتَئِما |
وَاللَهُ ما عَجَبي مِن فوتِهِ عَجَبي | لِمِثلِهِ كَيفَ حَتّى الآنَ قَد سَلَّما |
وَطالَما قُلتُ إِذا جادَ الزَمانُ بِهِ | مَن عَلَّمَ الدَهرَ هَذا الجودُ وَالكَرَما |
يا حِليَةَ الشَرقِ أَضحى بَعدَها عُطُلاً | وَبَيضَةَ الدَهرِ عَن أَمثالِها عَقَما |
إِن كانَ لَم تَألُكَ الدُناي مَعارِكَةً | فَلَستَ أَوَّلُ حَرٍّ صادَفَ النَقَما |
ما شابَ مِنكَ بَلاءٍ نِيَّةً خَلُصَت | وَمَن عَزا لَكَ مِن ظُلمٍ فَقَد ظَلَما |
كَم قاصِدٍ لَم تَعِب مَسعاهُ خَيبَتَهُ | وَقائِدٌ لَم يَنَل خِزياً أَن اِنهَزَما |
وَرُبَّ مُسدي يَدٌ يَلقى البَلاءَ بِها | وَرُبَّ جانٍ سَعيدٌ بِالَّذي جَرَما |
إِنَّ التَقاديرَ إِن أُجرَت سَفائِنَها | أَلحَقنَ مَن كانَ غَمراً بِالَّذي حَزُما |
لا تُبعَدَنَّ وَلا يُبخَس ثَناكَ فَلَم | تُجَرَّ إِلّا إِباءَ الضِيَمِ وَالشَمَما |
وَاللَهُ لَو كُنتَ تَدري ما بِنا كَمَداً | لَكُنتَ أَنتَ لَنا الراثي وَمَن رَحَما |
لَيسَ الَّذي جاوَرَ الديماسَ في نَكَدٍ | كَمِن يُزَجّي إِلَيهِ الهَمَّ والسَقَما |
إِن كانَ حَبلُ حَياةِ المَرءِ أَجَمَعُهُ | أَحبولَةً كانَ خَيرَ الحَبلِ ما اِنصَرَما |
فَاِذهَب عَلَيكَ تَحِيّاتث المُهَيمِنِ ما | هَمّي بِتُربِكَ دَمعَ المُزنِ مُنسَجِما |
هانَت بِمَصرَعِكَ الأَرزاءُ أَجمَعُها | فَلَيسَ يُجزِعُ مِن رُزءٍ وَلَو عَظُما |