أَحَقّاً عَلَينا الدَهرُ دارَت دَوائِرُه
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَحَقّاً عَلَينا الدَهرُ دارَت دَوائِرُه | أَما أَنَّهُ لِلدينِ صارَت مَصائِرُه |
فَشَدَّ عَلى الإِسلامِ ذا اليَومَ ريبُهُ | بِخَطبٍ وَكانَت لا تُعَدُّ كَبائِرُه |
إِلّا أَنَّهُ الدَهرَ المُصَرَّحُ بِاِسمِهِ | بِأَن لا فَتىً إِلّا غَدا وَهوَ داهِرُه |
بَواتِرُهُ فينا مُجَرَّدَةٌ وَما | بَواتِرُهُ وَاللَهُ إِلّا بَوائِرُ |
لَها كُلَّ يَومٍ في البَرِيَّةِ فَتكَةً | تُناديكَ لا مُنجاةُ مِمّا تُحاذِرُه |
فَكَم مَلَكَ ضَخمٌ تَخطِفُهُ الرَدى | قَساوِرُهُ مِن حَولِهِ وَأُساوِرُه |
تَخَرَّمَ كِسرى كاسِراً حَدَّ بِطشِهِ | وَقَيصَرَ أَردى ما وَقَتهُ مَقاصِرُه |
وَما زالَ يُفنى كُلَّ عِزٍّ يَؤُمُّهُ | بِبَأسٍ وَيُلقى كُلِّ قِرنٍ يُساوِرُه |
هُوَ المَوتُ مِن ذا دافِعٍ مُبرَمِ القَضا | إِذا الواحِدِ القَهّارِ وافَت أَوامِرُه |
فَسُبحانَ مَن تَعنو الوُجهُ لِوَجهِهِ | وَلا حَيَّ إِلّا وَهوَ بِالمَوتِ قاهِرُه |
دَعا اليَومَ مُحي الدينِ نَحوَ جَنابِهِ | يَقرُبُهُ مِن قُدسِهِ وَيُجاوِرُه |
سَرى نَعيُهُ في كُلِّ حَيٍّ فَفي الوَرى | تَعازيهِ لَكِن في الجِنانِ بَشائِرُه |
وَباتَت شُؤونُ الدينِ تَجري شُؤونُها | عَلى فَقدِهِ وَالفِقهُ تَدمى مَاجِرُه |
وَكُلُّ اِمرِئٍ يَبكي عَلَيهِ دَماً | فَما عَواذِلُهُ في الحُزنِ إِلّا عَواذِرُه |
لَعَمرُكَ ما لِلشَرقِ ذا اليضومَ اِقتَمَت | مَشارِقُهُ وَاليَومَ أَظلَمُ ناظِرُه |
وَلِلدينِ وَجدٌ لَيسَ تَطفَأُ نارُهُ وَلِلشَرعِ طَرفٌ لَيسَ يَقلَعُ ما طِرُه | |
أَصابَ بَني الإِسلامِ خَطبَ عَرَمرَمٍ | بِذا اليَومَ فَالإِسلامُ تَبكى مَنابِرُه |
فَطَبَّقَ آفاقَ البَرِيَّةِ ذِكرُهُ | وَسارَ بِهِ بادي الزَمانِ وَحاضِرُه |
إِمامٌ بِأَفواهِ الجَميعِ عُلومُهُ | وَبَحرٌ بِأَعناقِ الجَميعِ جَواهِرُه |
مُبارَكٌ خَلقُ طيبُ الذِكرِ عابِدٌ | مَهذَبُ طَبعٍ مُشرِقِ الوَجهِ سافِرُه |
بَقِيَّةَ ذاكَ السالِفِ الصالِحِ الَّذي | بِأَمثالِهِ الأَقطابِ جَلَت ذَخائِرُه |
قَد اِرتَفَعَت أَسرارُهُ وَتَطَهَّرَت | لَهُ سَيرَ غُرٌّ حَكَتها سَرائِرُه |
وَأَصبَحَ في أَيّامِهِ عِلمَ الهُدى | تَعُمُّ البَرايا بِالضِياءِ مَنايِرُه |
تَداعَت بِيَومِ العِلمِ يَومَ وَفاتِهِ | وَخَرُ عِمادِ الفَضلِ وَاِنهَدَّ عامِرُه |
وَراحَ عَلَيهِ الفِقهُ يَلطُمُ وَجهَهُ | إِذا اِنتَكَثَت مِمّا دَهاهُ مَرائِرُه |
وَلَم أَدرِ أَنَّ الصَبرَ تَفَنّى دُروعُهُ | إِذا أَن قَضى وَالعَزمُ تَفري مَغافِرُه |
فَقَد فَرَغتُ مِن كُلِّ باكٍ دُموعِهِ | كَما نَزَفَت مِن كُلِّ راثٍ مَحابِرُه |
تَرَحَّلَ عَن دارِ الفَناءِ إِلى الَّتي | بِها عَيشُهُ في الخُلدِ تَجري كَواثِرُه |
فَقَد دَكَّ طَودُ باذِخِ المَجدِ شامِخٌ | وَغُيضَ بَحرُ زاعِبِ الفَيضِ زاخِرُه |
وَأَغمَدَ سَيفَ صارِمِ الحَدِّ باتِرٌ | وَغُيبَ بَدرُ ثاقِبِالنورِ باهِرُه |
سَلامٌ عَلى قَبرٍ تَضَمَّنَ تُربُهُ | فَذاكَ الحَدُّ ساطِعُ العُرفِ عاطِرُه |
سَقَت تُربُهُ الوَطفا وَلا بَرِحَ الحَيا | يُراوِحهُ في رَجعِهِ وَيُباكِرُه |
وَما المَوتُ إِلّا مَسلَكُ عَمِّ نَهجِهِ | وَجِسرُ جَميعِ الخَلقِ لا بُدَّ عابِرُه |
وَما المَرءُ إِلّا مَيتٌ وَاِبنُ مَيتٍ | وَمَن بَدَؤَهُ الميلادُ فَالمَوتُ آخِرُه |