اِن سالَ مِن غَرب العُيونِ بُحور
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
اِن سالَ مِن غَرب العُيونِ بُحور | فَالدَهرُ باغ وَالزَمان غَدور |
فَلِكُلِّ عَين حَق مدرار الدِما | وَلكل قَلب لَوعَة وَثُبور |
سَترالسنا وَتحجبت شَمسُ الضُحى | وَتَغيبت بَعد الشُروق بدور |
وَمَضى الَّذي أَهوى وَجرعني الاِسا | وَغَدَت بِقَلبي جذوة وَسَعير |
يا لَيتَهُ لِما نَوى عهد النَوى | وافى العُيون مِنَ الظَلام نَذير |
ناهيكَ ما فَعَلت بِماء حَشاشَتي | نار لها بَينَ الضُلوعِ زَفير |
لَوبث حزني في الوَرى لَم يَلتَفِت | لِمُصاب قيس وَالمُصاب كَثير |
طافَت بِشَهر الصَومِ كاساتِ الرَدى | سِحرا وَأَكوابُ الدُموعِ تَدور |
فَتَناوَلَت مِنها اِبنَتي فَتَغَيَّرَت | وَجناتُ خد شانِها التَغيير |
فَذَوَت أَزاهيرُ الحَياةِ بِرَوضِها | وَاِنقَدَّ مِنها مائِس وَنَضير |
لَبِسَت ثِيابَ السَقمِ في صغر وَقَد | ذاقَت شَرابَ المَوتِ وَهُوَ مَرير |
جاءَ الطَبيبُ ضَحى وَبشر بِالشَفا | اِنَّ الطَبيبَ بِطِبِّهِ مَغرور |
وَصف التَجرع وَهُوَ يَزعُم إِنَّهُ | بِالبِرء مِن كُل السِقامِ بَشير |
فَتَنَفَسَّتُ لِلحُزنِ قائِلَة لَهُ | عَجِّل بِبِرئي حَيثُ أَنتَ خَبير |
وَاِحمِ شَبابي اِن والِدَتي غَدَت | ثَكلى يَثير لَها الجَوى وَتَشير |
وَاِرأَف بِعَين حَرمت طيب الكَرى | تَشكو السُهاد وَفي الجُفونِ فُتور |
لِما رَأَت يَأسَ الطَبيب وَعَجزِهِ | قالَت وَدَمع المُقلَتَين غَزير |
أَماه قَد كل الطَبيب وَفاتَني | مِمّا أؤمل في الحَياةِ نَصير |
لَو جاءَ عراف اليَمامَةِ يَبتَغي | برئى لِرد الطَرف وَهُوَ حَسير |
يا رَوعَ روحي حلها نَزع الضَنا | عَمّا قَليل وَرقها سَتَطير |
أَماه قَد عَز اللُقا وَفي غَد | سَتَرينَ نَعشى كَالعَروسِ يَسير |
وَسَيَنتَهي المَسعى اِلى اللَحدِ الَّذي | هُوَ مَنزِلي وَلَهُ الجُموعُ تَصير |
قولى لِرب اللَحد رفقا بِاِبنَتي | جاءَت عَروسا ساقَها التَقدير |
وَتجلدي بِاِزاء لَحدى بُرهة | فَتَراكَ روح راعِها المَقدور |
أَماه قَد سَلَفت لَنا أُمنِيَة | يا حُسنِها لَو ساقَها التَيسير |
كانَت كَأَحلامٌ مَضَت وَتَخلفت | مُذ بانَ يَومُ البينِ وَهو عَسير |
عودى اِلى رُبعِ خَلا وَمَآثِر | قَد خَلَفَت عَنّي لَها تَأثير |
صونى جِهازَ العُرسِ تِذكارا قَلى | قَد كانَ مِنهُ اِلى الزَفافِ سُرور |
جَرَت مَصائِبُ فَرَّقَتى لَكَ بعدذا | لَبس السَواد وَنفذ المَسطور |
وَالقَبرُ صارَ لِغُصن قَدى رَوضَة | ريحانُها عِند المزار زُهور |
أَماهُ لا تَنسى بِحق بنوتى | قَبري لَئِلّا يَحزن المَقبور |
فَأَحيَيتُها وَالدَمعُ يَحبِسُ مَنطقى | والدهر من بعد الجوار يجور |
بِنتاه يا كَبدي وَلَوعَة مُهجَتي | قَد زالَ صَفو شانِه التَكدير |
لا نوصى ثَكلى قَد أَذابَ وَتينُها | حُزن عَلَيكَ وَحَسرَة وَزَفير |
قَسما بِغض نَواظِر وَتَلهفى | مُذ غابَ نسان وَفارِق نور |
وَبِقُبلَتي ثَغرا تَقضى نَحبه | فَحَرَمت طيب شَذاهُ وَهُوَ عَطير |
وَاللَهُ لا أَسلو التِلاوَةِ وَالدَعا | ما غَرَّدَت فَوقَ الغُصونُ طُيور |
كَلا وَلا أَنسى زَفير توجعي | وَالقَد مِنكَ لَدى الثَرى مَدثور |
اِنى أَلفت الحُزنَ حَتّى إِنَّني | لَو غابَ عَنّي ساءَني التَأخير |
قَد كُنتُ لا أَرضى التَباعُد بُرهَة | كَيفَ التَصَبُّر وَالبِعادُ دُهور |
أَبكيكَ حَتّى نَلتَقي في جنة | بِرِياض خُلد زينَتُها الحور |
اِن قيلَ عائِشَة أَقولُ لَقَد فَنى | عيشى وَصَبري وَالاِله خَبير |
وَلَهى عَلى تَوحيدِهِ الحُسنِ الَّتي | قَد غابَ بَدر جَمالِها المَستور |
قَلبي وَجِفني وَاللِسانُ وَخالِقي | راض وَباكَ شاكِر وَغَفور |
مَتعت بِالرِضوان في خُلد الرِضا | ما اِزينت لَكَ غُرفَة وَقُصور |
وَسَمِعتُ قَولَ الحَقِّ لِلقَومِ اِدخُلوا | دارَ السَلامِ فَسَعيُكُم مَشكور |
هذا النَعيمُ بِهِ الاِحبَّة تَلتَقي | لا عَيشَ اِلّا عيشه المَبرور |
وَلَكَ الهَناءُ فَصدق تاريخي بَدا | تَوحيدُهُ زَفت وَمَعَها الحور |