أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ | وَشَمَّرَت هِمَمُ العُذّالِ في العَذَلِ |
هاجَ البُكاءُ عَلى العَينِ الطَموحِ هَوَىً | مُفَرَّقٌ بَينَ تَوديعٍ وَمُحتَمَلِ |
كَيفَ السُلُوُّ لِقَلبٍ راحَ مُختَبَلاً | يَهذي بِصاحِبِ قَلبٍ غَيرَ مُختَبَلِ |
عاصى العَزاءَ غَداةَ البَينِ مُنهَمِلٌ | مِنَ الدُموعِ جَرى في إِثرِ مُنهَمِلِ |
لَولا مُداراةُ دَمعِ العَينِ لَاِنكَشَفَت | مِنّي سَرائِرُ لَم تَظهَر وَلَم تُخَلِ |
أَما كَفى البَينُ أَن أُرمى بِأَسهُمِهِ | حَتّى رَماني بِلَحظِ الأَعيُنِ النُجُلِ |
مِمّا جَنى لي وَإِن كانَت مُنىً صَدَقَت | صَبابَةً خُلَسُ التَسليمِ بِالمُقَلِ |
ماذا عَلى الدَهرِ لَو لانَت عَريكَتُهُ | وَرَدَّ في الرَأسِ مِنّي سَكرَةَ الغَزَلِ |
جُرمُ الحَوادِثِ عِندي أَنَّها اِختَلَسَت | مِنّي بَناتِ غِذاءِ الكَرمِ وَالكِلَلِ |
وَرُبَّ يَومٍ مِنَ اللَذّاتِ مُحتَضَرٍ | قَصَّرتُهُ بِلِقاءِ الراحِ وَالخُلَلِ |
وَلَيلَةٍ خُلِسَت لِلعَينِ مِن سِنَةٍ | هَتَكتُ فيها الصِبا عَن بَيضَةِ الحَجَلِ |
قَد كانَ دَهري وَما بي اليَومَ مِن كِبَرٍ | شُربَ المُدامِ وَعَزفَ القَينَةِ العُطُلِ |
إِذا شَكَوتُ إِلَيها الحُبَّ خَفَّرَها | شَكوايَ فَاِحمَرَّ خَدّاها مِنَ الخَجَلِ |
كَم قَد قَطَعتُ وَعَينُ الدَهرِ راقِدَةٌ | أَيّامَهُ بِالصِبا في اللَهوِ وَالجَذَلِ |
وَطَيِّبِ الفَرعِ أَصفاني مَوَدَّتَهُ | كافَأتُهُ بِمَديحٍ فيهِ مُنتَخَلِ |
وَبَلدَةٍ لِمَطايا الرَكبِ مُنضِيَةٍ | أَنضَيتُها بِوَجيفِ الأَينُقِ الذُلُلِ |
فيمَ المُقامُ وَهَذا النَجمُ مُعتَرِضاً | دَنا النَجاءُ وَحانَ السَيرُ فَاِرتَحِلِ |
يا مائِلَ الرَأسِ إِنَّ اللَيثَ مُفتَرِسٌ | ميلَ الجَماجِمِ وَالأَعناقِ فَاِعتَدِلِ |
حَذارٍ مِن أَسَدٍ ضِرغامَةٍ بَطَلٍ | لا يولِغُ السَيفَ إِلّا مُهجَةَ البَطَلِ |
لَولا يَزيدُ لَأَضحى المُلكُ مُطَّرَحاً | أَو مائِلَ السَمكِ أَو مُستَرخيَ الطِوَلِ |
سَلَّ الخَليفَةُ سَيفاً مِن بَنى مَطَرٍ | أَقامَ قائِمُهُ مَن كانَ ذا مَيَلِ |
كَم صائِلٍ في ذَرا تَمهيدِ مَملَكَةٍ | لَولا يَزيدُ بَني شَيبانَ لَم يَصُلِ |
نابُ الإِمامِ الَّذي يَفتَرُّ عَنهُ إِذا | ما اِفتَرَت الحَربُ عَن أَنيابِها العُصُلِ |
مَن كانَ يَختِلُ قِرناً عِندَ مَوقِفِهِ | فَإِنَّ قِرنَ يَزيدٍ غَيرُ مُختَتَلِ |
سَدَّ الثُغورَ يَزيدٌ بَعدَما اِنفَرَجَت | بِقائِمِ السَيفِ لا بِالخَتلِ وَالحِيَلِ |
كَم أَذاقَ حِمامَ المَوتِ مِن بَطَلٍ | حامي الحَقيقَةِ لا يُؤتى مِنَ الوَهَلِ |
أَغَرُّ أَبيَضُ يُغشى البَيضَ أَبيَضُ لا | يَرضى لِمَولاهُ يَومَ الرَوعِ بِالفَشَلِ |
يَغشى الوَغى وَشِهابُ المَوتِ في يَدِهِ | يَرمي الفَوارِسَ وَالأَبطالَ بِالشُعَلِ |
يَفتَرُّ عِندَ اِفتِرارِ الحَربِ مُبتَسِماً | إِذا تَغَيَّرَ وَجهُ الفارِسِ البَطَلِ |
موفٍ عَلى مُهجٍ في يَومِ ذي رَهَجٍ | كَأَنَّهُ أَجَلٌ يَسعى إِلى أَمَلِ |
يَنالُ بِالرِفقِ ما يَعيا الرِجالُ بِهِ | كَالمَوتِ مُستَعجِلاً يَأتي عَلى مَهَلِ |
لا يُلقِحُ الحَربَ إِلّا رَيثَ يُنتِجُها | مِن هالِكٍ وَأَسيرِ غَيرِ مُختَتَلِ |
إِن شيمَ بارِقُهُ حالَت خَلائِقُهُ | بَينَ العَطِيَّةِ وَالإِمساكِ وَالعِلَلِ |
يَغشى المَنايا المَنايا ثُمَّ يَفرُجُها | عَنِ النُفوسِ مُطِلّاتٍ عَلى الهَبَلِ |
لا يَرحَلُ الناسُ إِلّا نَحوَ حُجرَتِهِ | كَالبَيتِ يُضحي إِلَيهِ مُلتَقى السُبُلِ |
يَقري المَنِيَّةَ أَرواحُ الكُماةِ كَما | يَقري الضُيوفَ شُحومَ الكُومِ وَالبُزُلِ |
يَكسو السُيوفَ دِماءَ الناكِثينَ بِهِ | وَيَجعَلُ الهامَ تيجانَ القَنا الذُبُلِ |
يَغدو فَتَغدو المَنايا في أَسِنَّتِهِ | شَوارِعاً تَتَحَدّى الناسَ بِالأَجَلِ |
إِذا طَغَت فِئَةٌ عَن غِبِّ طاعَتِها | عَبّا لَها المَوتَ بَينَ البيضِ وَالأَسَلِ |
قَد عَوَّدَ الطَيرَ عاداتٍ وَثِقنَ بِها | فَهُنَّ يَتبَعنَهُ في كُلِّ مُرتَحَلِ |
تَراهُ في الأَمنِ في دِرعٍ مُضاعَفَةٍ | لا يَأمَنُ الدَهرَ أَن يُدعى عَلى عَجَلِ |
صافي العِيانِ طَموحُ العَينِ هِمَّتُهُ | فَكُّ العُناةِ وَأَسرُ الفاتِكِ الخَطِلِ |
لا يَعبَقُ الطيبُ خَدَّيهِ وَمَفرِقَهُ | وَلا يُمَسِّحُ عَينَيهِ مِنَ الكُحُلِ |
إِذا اِنتَضى سَيفَهُ كانَت مَسالِكُهُ | مَسالِكَ المَوتِ في الأَبدانِ وَالقُلَلِ |
وَإِن خَلَت بِحَديثِ النَفسِ فِكرَتُهُ | حَيى الرَجاءُ وَماتَ الخَوفُ مِن وَجَلِ |
كَاللَيثِ إِن هِجتَهُ فَالمَوتُ راحَتُهُ | لا يَستَريحُ إِلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ |
إِنَّ الحَوادِثَ لَمّا رُمنَ هَضبَتَهُ | أَزمَعنَ عَن جارِ شَيبانٍ بِمُنتَقَلِ |
فَالدَهرُ يَغبِطُ أُولاهُ أَواخِرَهُ | إِذ لَم يَكُن كانَ في أَعصارِهِ الأُوَلِ |
إِذا الشَريكِيُّ لَم يَفخَر عَلى أَحَدٍ | تَكَلَّمَ الفَخرُ عَنهُ غَيرَ مُنتَحِلِ |
لا تُكذِبَنَّ فَإِنَّ الحِلمَ مَعدِنُهُ | وِراثَةٌ في بَني شَيبانَ لَم تَزَلِ |
سَلّوا السُيوفَ فَأَغشَوا مَن يُحارِبُهُم | خَبطاً بِها غَيرَ ما نُكلٍ وَلا وُكُلِ |
الزائِدِيّونَ قَومٌ في رِماحِهِمُ | خَوفُ المُخيفِ وَأَمنُ الخائِفِ الوَجِلِ |
كَبيرُهُم لا تَقومُ الراسِياتُ لَهُ | حِلماً وَطِفلُهُمُ في هَدى مُكتَهِلِ |
إِسلَم يَزيدُ فَما في الدينِ مِن أَودٍ | إِذا سَلِمتَ وَما في المُلكِ مِن خَلَلِ |
أَثبَتَّ سوقَ بَني الإِسلامِ فَاِطَّأَدَت | يَومَ الخَليجِ وَقَد قامَت عَلى زَلَلِ |
لَولا دِفاعُكَ بَأسَ الرومِ إِذ بَكَرَت | عَن عِترَةِ الدينِ لَم تَأمَن مِنَ الثَكَلِ |
وَيوسُفُ البَرمَ قَد صَبَّحتَ عَسكَرَهُ | بِعَسكَرٍ يَلفِظُ الأَقدارَ ذي زَجَلِ |
غافَصتَهُ يَومَ عَبرِ النَهرِ مُهلَتَهُ | وَكانَ مُحتَجَزاً في الحَربِ بِالمُهَلِ |
وَالمارِقَ اِبنَ طَريفٍ قَد دَلَفتَ لَهُ | بِعَسكَرٍ لِلمَنايا مُسبِلٍ هَطِلِ |
لَمّا رَآكَ مُجِدّاً في مَنِيَّتِهِ | وَأَنَّ دَفعَكَ لا يُسطاعُ بِالحِيَلِ |
شامَ النِزالَ فَأَبرَقتَ اللِقاءَ لَهُ | مُقدِّمَ الخَطوِ فيها غَيرَ مُتَّكِلِ |
ماتوا وَأَنتَ غَليلٌ في صُدورِهِمُ | وَكانَ سَيفُكَ يُستَشفى مِنَ الغُلَلِ |
لَو أَنَّ غَيرَ شَريكي أَطافَ بِهِ | فازَ الوَليدُ بِقَدحِ الناضِلِ الخَصِلِ |
وَقُمتَ بِالدينِ يَومَ الرَّسِّ فَاِعتَدَلَت | مِنهُ قَوائِمُ قَد أَوفَت عَلى مَيَلِ |
ما كانَ جَمعُهُمُ لَمّا لَقيتَهُمُ | إِلّا كَمِثلِ نُعامٍ ريعَ مُنجَفِلِ |
تابوا وَلَو لَم يَتوبوا مِن ذُنوبِهِمُ | لابَ جَيشُكَ بِالأَسرى وَبِالنَفَلِ |
كَم آمِنٍ لَكَ نائِيَ الدارِ مُمتَنِعٍ | أَخرَجتَهُ مِن حُصونِ المُلكِ وَالخَوَلِ |
يَأبى لَكَ الذَمَّ في يَومَيكَ إِن ذُكِرا | عَضبٌ حُسامٌ وَعِرضٌ غَيرُ مُبتَذَلِ |
وَمارِقينَ غُزاةٍ مِن بُيوتِهِمُ | لا يَنكُلونَ وَلا يُؤتونَ مِن نَكَلِ |
خَلَّفتَ أَجسادَهُم وَالطَيرُ عاكِفَةٌ | فيها وَأَقفَلتَهُم هاماً مَعَ القَفَلِ |
فَاِفخَر فَمالَكَ في شَيبانَ مِن مَثَلٍ | كَذاكَ ما لِبنى شَيبانَ مِن مَثَلِ |
كَم مَشهَدٍ لَكَ لا تُحصى مَآثِرُهُ | قَسَمتَ فيهِ كَرِزقِ الإِنسِ وَالخَبَلِ |
لِلَّهِ مِن هاشِمٍ في أَرضِهِ جَبَلٌ | وَأَنتَ وَاِبنُكَ رُكنا ذَلِكَ الجَبَلِ |
قَد أَعظَموكَ فَما تُدعى لِهَيِّنَةٍ | إِلّا لِمُعضِلَةٍ تُستَنُّ بِالعَضَلِ |
يا رُبَّ مَكرُمَةٍ أَصبَحتَ واحِدَها | أَعيَت صَناديدَ راموها فَلَم تُنَلِ |
تَشاغَلَ الناسُ بِالدُنيا وَزُخرُفِها | وَأَنتَ مَن بِذَلِكَ المَعروفَ في شُغُلِ |
أَقسَمتُ ما ذُبَّ عَن جَدواكَ طالِبُها | وَلا دَفَعتَ اِعتِزامَ الجِدِّ بِالهَزَلِ |
يَأبى لِسانُكَ مَنعَ الجودِ سائِلُهُ | فَما يُلَجلِجُ بَينَ الجودِ وَالبُخلِ |
صَدَّقتَ ظَنّي وَصَدَّقتَ الظُنونَ بِهِ | وَحَطَّ جودُكَ عَقدَ الرَحلِ عَن جَمَلي |