عاصى الشَبابَ فَراحَ غَيرَ مُفَنَّدِ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
عاصى الشَبابَ فَراحَ غَيرَ مُفَنَّدِ | وَأَقامَ بَينَ عَزيمَةٍ وَتَجَلُّدِ |
مُتَحَيِّراً طَلَعَت لَهُ شَمسُ النُهى | فَمَشى عَلى سَنَنِ الطَريقِ الأَقصَدِ |
دَرَجَ الكَرى في مُقلَتَيهِ وَرُبَّما | مُنِيَ الكَرى مِنهُ بِلَيلَةِ أَرمَدِ |
أَيّامَ يَعتَلِجُ الصِبا في صَدرِهِ | بِرِضى المُدامَةِ وَالخِدالِ النُهَّدِ |
إِنَّ الصِبا وَعَرَت عَلَيكَ سَبيلُهُ | فَتَنَكَّبَت بِكَ عَن وِصالِ الخُرَّدِ |
قَعَدَ النُهى بِكَ عَن تَقاذُفِ صَبوَةٍ | خَطَرَت بِرَيعانِ الشَبابِ الأَغيَدِ |
فَاِعمَد بِحَزمِكَ نَحوَ أَمرٍ واحِدٍ | وَقُدِ العَزيمَةَ بِالعَزيمَةِ تَنقَدِ |
لَولا تُثيرُكَ عَن مَقامِكَ هِمَّةٌ | يَنجو بِها كَلَبُ الهُمومِ العُوَّدِ |
جَهَلَ الزَمانُ وَعادَ في عاداتِهِ | فَلَبِستُهُ بِتَجَمُّلٍ وَتَغَمُّدِ |
حَتّى خَرَجتُ مِنَ الحَوادِثِ لَم أَنَل | طَبعاً وَلَم أَقدَح بِزَندٍ مُصلَدِ |
خَلَّفتُ وارِدَةَ الهُمومِ وَرُبَّما | لَحِقَت مُعَرَّسَ مَربَعي أَو مَورِدي |
أَلقى الدُجى عَن مَنكِبَيهِ بِرَوحَةٍ | نَبَذَت بِهِ عَن فَدفَدٍ في فَدفَدِ |
أَمّا النَهارُ فَإِنَّهُ لِمَضَلَّةٍ | بَيداءَ صادِقَةِ الهَواجِرِ صَيخَدِ |
وَإِذا الدُجى اِلتَبَسَت فَأَوَّلُ طالِعٍ | في وَجهِها مِن جَيبِها المُتَوَقِدِ |
يَغدو وَقَد أَسرى السُرى وَكَأَنَّما | غاداهُ بِالدُلُجاتِ لَيلُ الرُقَّدِ |
رَكِبَ الضُحى حَتّى إِذا اِعتَنَقَ الدُجى | وَاِفتَرَّها عَن مُغرَبٍ مُتَوَقِّدِ |
حَطَّ الرِكابَ إِلى جَنابِ مُحَمَّدٍ | مِن جُنحِ لَيلٍ كَالغَمامَةِ أَربَدِ |
تَخدي العِرَضنَةَ قَد تَقَسَّمَ طَرفَها | وَضَحُ الطَريقِ وَخَوفُ مَسِّ المُحصَدِ |
نَهَضَ اِبنُ مَنصورٍ فَأَدرَكَ غايَةً | قَعَدَت مَآثِرُها بِكُلِّ مُسَوَّدِ |
مَلِكٌ إِذا الغاياتُ مَدَّت شَأوَهُ | سَبَقَ الجِيادَ وَفاتَ كُلَّ مُقَلَّدِ |
أَعطى فَما تَنفَكُّ تُنزَعُ هِمَّةٌ | أَمَلاً إِلَيهِ مِنَ المَحَلِّ الأَبعَدِ |
سَبَقَت عَطِيَّتُهُ مُنى مُرتادِها | وَاِستَحدَثَت هِمَماً لِمَن لَم يَرتَدِ |
تِلكَ العُلا حُكِّمنَ في أَموالِهِ | فَأَعَضنَهُ مِنها جِوارَ الفَرقَدِ |
زادَ الزِيادِيِّينَ جودُ مُحَمَّدٍ | شَرَفَ الحَديثِ مَعَ القَديمِ الأَتلَدِ |
حَلّوا بِرابِيَةِ العُلا وَتَفَرَّعوا | مِن هاشِمٍ فَرعاً أَشَمَّ مُوَطَّدِ |
بَيتاً تَطَنَّبَ بِالنُجومِ بِناؤُهُ | في ناطِحٍ سَقفَ السَماءِ مُشَيَّدِ |
ما زالَتِ الأَيّامُ تَرفَع شَأوَهُ | وَيَزيدُ عَودُ السابِقِ المُتَزَيَّدِ |
حَتّى إِذا بَلَغَ المَدى عارَضنَهُ | فَمَسَحنَ غُرَّةَ سابِقٍ لَم يَجهَدِ |
أَغنى عَنِ البُخَلاءِ مُبتَدِرَ الغِنى | وَكَفى المُقَصِّرَ مِنحَةَ المُتَجَوِّدِ |
لا يَدفَعُ الأَمَلَ القَريبَ لِعَودِهِ | في حينِ دَفعِ الغَيثِ حَمدَ الرُوَّدِ |
يَتَجَنَّبُ الهَفَواتِ في خَلَواتِهِ | عَفُّ السَريرَةِ غَيبُهُ كَالمَشهَدِ |
أَخَذَ الأُمورَ بِعَينِهِ وَضَميرِهِ | حَتّى أَقامَ لَهُنَّ قَصَدَ المَورِدِ |
وَلَهُ إِذا فَنِىَ السُؤالُ مَذاهِبٌ | في الجودِ تَبحَثُ عَن سُؤالِ المُجتَدي |
وَإِذا تُخُوِّفَت الأُمورُ يَرى لَها | رَأياً يَشُقُّ بِهِ اِعتِزامَ الأَصيَدِ |
مُتَفَتِّقُ الآراءِ في جَمعِ الهَوى | يَخرُجنَ مِن نَجوى ضَميرٍ أَوحَدِ |
يَفحَصنَ عَن رَجمِ الظُنونِ وَتارَةً | يَأخُذنَ بِالكَيدِ اِختِيالَ الأَكيَدِ |
يَتَغَمَّدُ الأَيّامَ في نَزَواتِها | ثَبتُ المَقامِ عَلى اِقتِراحِ السُؤدَدِ |
لا يَشتَكي أَلَمَ السِنينَ وَلا يُرى | قَنِعاً بِمَكرُمَةٍ إِذا لَم يَزدَدِ |
وَالناسُ أَدنى مِنهُ أَو مُتَخَلِّفٌ | عَن شَأوِهِ مُتَقَدِّمٌ في المَولِدِ |
جَدَّ الكِرامُ فَلَم يَنالوا سَعيَهُ | كَثرَتهُمُ هِمّاتُ مَن لَم يَجدِدِ |
ما اِستَوقَفَ اللَحَظاتِ مَذهَبُ فِكرَةٍ | إِلّا وَفيهِ صَنيعَةٌ لِمُحَمَّدِ |
يَستَصغِرُ الدُنيا إِذا عَرَضَت لَهُ | في هِمَّةٍ أَو نائِلٍ أَو مَوعِدِ |
غَمرُ البَديهَةِ يُستَعَدُّ بِرَأيِهِ | لِبَديهَةِ الحَدَثِ الَّذي لَم يُعدَدِ |
يَضَعُ العُيونَ عَلى المَطالِبِ جودُهُ | حَتّى يَكونَ لَهُ السُؤالُ بِمَرصَدِ |
وَلَرُبَّ مُشتَمِلٍ عَلى دُكانِهِ | راضٍ بِفَضلِ الزادِ مِن مُتَزَوِّدِ |
وَسِنٍ إِذا غَدَتِ الوُفودُ كَأَنَّما | كَلَأَ الكَواكِبَ لَيلُهُ لَم يَرقُدِ |
مُتَعَذِّرِ الهِمّاتِ مُنقَطِعِ الغِنى | إِلّا مُقارَعَةَ الزَمانِ الأَنكَدِ |
يُضحي إِذا سَنَحَت لَهُ إِحدى المُنى | قَنِعاً بِخَطرَتِها وَإِن لَم يورِدِ |
لَمّا رَأى الآمالَ نَحوَكَ شُرَّعاً | يَصدُرنَ عَنكَ بِمِثلِ عَودِ المُبتَدي |
شَرَعَت لَهُ نَفسٌ فَطالَعَ هِمَّةً | رَجَعَتهُ مَضموناً ثَناءَ الوُفَّدِ |
زِدتَ الأَكارِمَ في المَكارِمِ شيمَةً | تَستَلُّ في الأَزَماتِ غِلَّ الحُسَّدِ |
وَلَرُبَّما أَعطَيتَ شانِئَكَ الرِضى | فَغَدا بِغُلَّةِ حاسِدٍ لَم يَجحَدِ |
تَأتي عَلى هَفَواتِهِ عَن قُدرَةٍ | بَدَراتُ راجِحِ حِلمِكَ المُستَأسِدِ |
لا يَبعَدَن مالٌ رَبَيتَ بِهِ العُلى | فَحَصِدتَ فيهِ وَقُل لِعاذِلِكَ اِبعَدِ |
فَلَأَنتَ أَمضى في الكَفاءِ وَفي النَدى | مِن باسِلٍ وَردٍ وَغادٍ مُرعِدِ |
وَطِأَت بِكَ القَصَراتِ فَهيَ ذَليلَةٌ | هِمَمٌ مَدَدنَ إِلَيكَ طَرفَ الأَقوَدِ |
أَعطَيتَ حَتّى مَلَّ سائِلُكَ الغِنى | وَعَلَوتَ حَتّى ما يُقالُ لَكَ اِزدَدِ |
ما قَصّرَت بِكَ غايَةٌ عَن غايَةٍ | فَاليَومَ مَجدُكَ مِثلُ مَجدِكَ في غَدِ |
قُصِرَت عَلى الإِسرافِ مِنكَ طَبيعَةٌ | بَسَقَت عَلى ذي الجودِ وَالمُتَجَوِّدِ |
عَكَفَت عَلى الصَفصافِ مِنكَ عَزيمَةٌ | مِن رَأيِ مُكتَنِفٍ بِنَصرٍ أَيِّدِ |
أَقدَمتَ وَالمُهَجاتُ تُلفَظُ وَالرَدى | مُتَحَيِّرٌ بَينَ الأَسِنَّةِ مُهتَدِ |
وَالخَيلُ طاوِيَةُ العَجاجِ نَواشِرٌ | جُردٌ تَشاوَلُ في المَكَرِّ الأَجرَدِ |
تَمضي عَلى نَهجِ الإِمامِ وَتارَةً | تَستَنُّ في الغاراتِ غَيرَ الأَحيَدِ |
حَتّى اِفتَرَعتَ بِها السِهامَ وَدونَها | طَعنٌ بِأَعجازِ القَنا المُتَقَصِّدِ |
وَتَنافَسَتكَ رِجالُها وَنِساؤُها | مِن بَينِ مَسلوبٍ وَبَينَ مُصَفَّدِ |
وَأَشَمَّ بِطريقٍ كَأَنَّ صَليفَهُ | عُقِدَت مَفاصِلُهُ وَإِن لَم تُعقَدِ |
مُستَسلِمٍ لِلمَوتِ يَعلَمُ أَنَّهُ | إِن لَم يَذُقهُ اليَومَ غَيرُ مُخَلَّدِ |
عَجِلَت يَداكَ لَهُ بِضَربَةِ خُلسَةٍ | سَبَقَت بِحَدِّ السَيفِ حَدَّ المُجسَدِ |
فَكَتِلكَ لا تِلكَ الَّتي ضاقَت بِها | كَفُّ الفَرَزدَقِ إِذ يُقالُ لَهُ قَدِ |
ما نالَ حَمدَ القَولِ بَعدَ قِيامِهِ | فيها وَسَلِّ المَشرَفِيِّ المُغمَدِ |
وَأَبوكَ يَومَ القَيرَوانِ وَقَد جَرَت | مُهَجُ المُلوكِ عَلى سُيوفِ الجُحَّدِ |
سَدَّ الثُغورَ بِها وَقَد فَغَرَت لَهُ | بِالمَوتِ بَينَ مُبَيِّضٍ وَمُسَوِّدِ |
يَوماً هَفَت فيهِ الأَعاجِمُ وَاِحتَسى | جُرَعَ الحِمامِ الفَضلُ غَيرَ مُعَرِّدِ |
نَهَضَت بِهِم عُقَبُ الزَمانِ فَأَنجَدَت | سَيفَ الدَليلِ عَلى الأَغَرِّ الأَنجَدِ |
لَمّا تَمَخَّضَتِ المَنونُ لِثَمِّها | وَتَعَضَّلَت بِالناكِثِ المُتَمَرِّدِ |
ما غابَ حَتّى آبَ تَحتَ لِوائِهِ | رَأبُ الثَأى وَصَلاحُ أَمرِ المُفسِدِ |
دَعَمَ الإِمامُ بِهِ قَواعِدَ مُلكِهِ | وَلَقَد تَطَرَّقَها اِنتِكاثُ المُلحِدِ |
زَحَفَت لَهُم آراؤُهُ بِمَكيدَةٍ | مِن تَحتِ سَطوَةِ لَيثِ غابٍ مُلبِدِ |
يَقضي عَلى مُهَجِ النُفوسِ وَإِن نَأَت | بِصَريمَةٍ مِن عَزمِ رَأيٍ مُحصَدِ |
جَنَبَ الجِيادَ مِنَ العِراقِ شَوازِباً | يَقرَعنَ هاماتِ الصَفا بِالجَلمَدِ |
مِن كُلِّ سامِيَةِ القَذالِ طِمِرَّةٍ | عَجلٍ تَرَوُّحُها وَإِن لَم تُطرَدِ |
حَتّى وَرَدنَ القَيرَوانَ وَدونَهُ | مَغدى الضُحى وَمَبيتُ لَيلِ الهُجَّدِ |
أَنهَجنَ في جَورِ السُهولَةِ مَنهَجاً | وَعَرَكنَ مَخزَنَةَ الطَريقِ الأَقصَدِ |
أَطلَقنَ مِن أَيدي الخُطوبِ أَسيرَها | وَشَرَدنَ في جَمعِ القُلوبِ الشُرَّدِ |
لَمّا رَآهُ المَغرِبِيُّ وَنارُهُ | شَعواءُ مُطفِئَةٌ لِنارِ المَوقِدِ |
وَالخَيلُ تَشتَرِفُ الحِمامَ وَبَينَها | رَأيٌ تَسورُ بِهِ ظُباتُ مُهَنَّدِ |
خافَ المَنِيَّةَ فَاِتَّقاهُ بِنَفسِهِ | في الغُلِّ مَلطومَ السَوالِفِ بِاليَدِ |
طَلَبَ الأَمانَ وَما تَفَرَّقَ جَمعُهُ | وَسُيوفُهُ مَشهورَةٌ لَم تُغمَدِ |
زَحَفَت بِهِ الأَيّامُ فَاِنقادَت لَهُ | بِزِمامِها نَخَواتُ كُلِّ مُقَوِّدِ |
وَغَدَت بِهِ رِدفاً مَطالِعُ لَم تَزَل | تَجري لِمَنصورٍ بِطَيرِ الأَسعَدِ |
لَبِسَ الأَمانَ بِهِ المُخافُ وَأَطرَقت | هِمَمُ المُريبِ وَثابَ كُلُّ مُشَرَّدِ |