شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها | إِذا خَلَت مِن حَبيبٍ لي مَغانيها |
دَعِ الرَوامِسَ تَسفى كُلَّما دَرَجَت | تُرابَها وَدَعِ الأَمطارَ تُبليها |
إِن كانَ فيها الَّذي أَهوى أَقَمتُ بِها | وَإِن عَداها فَما لي لا أُعَدّيها |
أَحَقُّ مَنزِلَةٍ بِالتَركِ مَنزِلَةٌ | تعَطَّلَت مِن هَوى نَفسي نَواديها |
أَمكَنتُ عاذِلَتي في الخَمرِ مِن أُذُنٍ | صَمّاءَ يُعيِ صَداها مَن يُناديها |
وَقُلتُ حينَ أَدارَ الكَأسَ لي قَمَرٌ | الآنَ حينَ تَعاطى القَوسَ باريها |
يا أَملَحَ الناسِ كَفّاً حينَ يَمزُجُها | وَحينَ يَأخُذُها صِرفاً وَيُعطيها |
قَد قُمتَ مِنها عَلى حَدٍّ يُلائِمُها | فَهَكَذا فَأَدِرها بَينَنا إِيها |
إِن كانَتِ الخَمرُ لِلأَلبابِ سالِبَةً | فَإِنَّ عَينَيكَ تَجري في مَجاريها |
سِيانَ كَأسٌ مِنَ الصَهباءِ أَشرَبُها | وَنَظرَةٌ مِنكَ عِندي حينَ تُصبيها |
في مُقلَتَيكَ صِفاتُ السِحرِ ناطِقَةٌ | بِلَفظِ واحِدَةٍ شَتّى مَعانيها |
فَاِشرَب لَعَلَّكَ أَن تَحظى بِسَكرَتِها | فَتَصدُقَ الكَأسُ نَفَساً ما تُمَنّيها |
وَمُخطَفِ الخَصرِ في أَردافِهِ عَمَمٌ | يَميسُ في خامَةٍ رَقَّت حَواشيها |
إِذا نَظَرتُ إِلَيهِ تاهَ عَن نَظَري | وَإِن شَكَوتُ إِلَيهِ زادَني تيها |
لَولا الأَمينُ الَّذي في الأَرضِ ما اِختَلَسَت | بَناتُ لَهوي إِذا عَنَّت غَواشيها |
خَليفَةُ اللَهِ قَد ذَلَّت بِطاعَتِهِ | صُعرُ الخُدودِ بِرَغمٍ مِن مَراقيها |
أَحيَت يَداهُ النَدى وَالجودَ فَاِنتَشَرا | في الأَرضِ طُرّاً وَجالا في نَواحيها |
عَمَّت مَكارِمُهُ الدُنيا فَأَوَّلُها | تُهدى نَداهُ إِلى أُخرى أَقاصيها |
كَم مِن يَدٍ لِأَمينِ اللَهِ لَو شُكِرَت | لَقَصَّرَ النَفسُ عَن أَدنى أَدانيها |
فَتىً تُهينُ رِقابَ المالِ راحَتُهُ | إِذا أَتاها مُريدُ المالِ يَبغيها |
يُمنى يَدَيكَ لَنا جَدوى مُطَبَّقَةٍ | هَذا السَحابُ بِأَعلى الأُفقِ يَحكيها |
حَلَّت قُرَيشُ العُلا مِن كُلِّ مَكرُمَةٍ | وَحَلَّ بَيتُكَ في أَعلى أَعاليها |
فُقتَ البَرِيَّةَ مِن كَهلٍ وَمِن حَدَثٍ | وَفاقَ أَباؤُكَ الماضونَ ماضيها |
شَيَّدتَ بَيتَكَ في عَلياءِ مَكرُمَةٍ | يُقَصِّرُ النَجمُ عَن أَدنى مَراقيها |
ما يَسبِقُ الناسُ في غاياتِ مَكرُمَةٍ | إِلّا وَكَفُّكَ دونَ الخَلقِ تَحويها |
خَليفَةُ اللَهِ لَو عُدَّت فَضائِلُهُ | إِذاً لَقَلَّ مِن الحُسّابِ مُحصيها |
جارى الأَمينُ مُلوكَ الناسِ كُلَّهُمُ | فَما تُقُدِّمَ سَبقاً في مَباديها |
نالَت مَكارِمُكَ العَيّوقَ فَاِتَّصَلَت | بِهِ وَقَصَّرَ عَنها مَن يُساميها |
يا أَكرَمَ الناسِ إِذ تُرجى لِنائِبَةٍ | جاءَت بِها حادِثاتُ الدَهرِ تَهديها |
لَسنا نَخافُ صُروفَ الدَهرِ ما عَلِقَت | أَكُفُّنا بِحِبالٍ مِنكَ تَمريها |
كافى الإِمامُ الوَرى طُرّاً بِأَجمَعِها | وَفاقَهُم بِبُيوتِ المَجدِ يَبنيها |
رَآكَ رَبُّكَ أَهلاً إِذ حَباكَ بِها | فَاِبقَ وَدُم بِسُرورٍ ناعِماً فيها |
أَحيا المَكارِمَ هارونٌ وَأَثبَتَها | وَأَنتَ في الناسِ يا اِبنَ الغُرِّ تُمضيها |
يا مُثبِتَ المُلكِ إِذا زالَت دَعائِمُهُ | وَثارَ بِالفِتنَةِ العَمياءِ باغيها |
كَم طَعنَةٍ لَكَ في الأَعداءِ مُهلِكَةٍ | نَجلاءَ تُعجِلُهُم عَن نَفثِ راقيها |
لَمّا غَدَوتَ إِلى الأَعداءِ مُطَّلِعاً | غَيرَ الجَبانِ عَلَيها لا تُباليها |
قَسَمتَ فيها مَنايا غَيرَ مُبقِيَةٍ | وَقُمتَ عِندَ نُفوسِ الحَقِّ تُحيِيها |
أَخَمَدتَ بِالشَرقِ نيراناً مُؤَجَّجَةً | قَد كانَ عَزَّ عَلى الإِسلامِ مُخبيها |
حَتّى بُعِثتَ عَلَيها رَحمَةً فَخَبَت | نيرانُها بِكَ فَاِنفَتَّت أَفاعيها |
ما ضَيَّعَ اللَهُ قَوماً صِرتَ تَملِكُهُم | وَلا أَضاعَ بِلاداً أَنتَ واليها |