" قالتِ الأَعرابُ آمَنَّا " .. |
فما باعوا مطاياهُم |
وماشَدُّوا على الجوعِ حِزاما. |
وهوى النَّجمُ، |
فما أغْروهُ بالمُكثِ |
وماهَبُّوا من السَّهْلِ ، |
إذْ انهارَ بنا الطَّوْدُ قياما. |
ودعا الدّاعي ، |
فكانوا آخِرَ الرَّكْبِ |
وراءً وأماما. |
أيُّها الحادي، |
أما في الأُفْقِ بَرْقٌ، |
يَقْدَحُ الكَوْنَ دَوِيَّاً وغَماما ؟ |
خَيَّمَ اللَّيلُ، |
فكُنَّا صَمْتَهُ المُطْبِقَ |
إلا صَرْخةً تَذْوي بأوْداجِ الثَّكالى |
وبقايا غُصَّةٍ تحبو على القَلْبِ |
ونَفْساً فاتَها الدَّهْرُ عِظاما. |
أيها الحادي، |
إذا ما أُتْخِمَ الرّملُ بأحلامِ الطواويسِ |
وغَصّ العُشْبُ بالدَمْعِ ، |
فأيُّ اللَّحْنِ يُنْجيكَ من الرّومِ ؟ |
وأي الصّمتِ يَحْميكَ من الرَّملِ ؟ |
وإن كُنْتَ تناهَيتَ حنيناً وهُياما. |
قَدَرُ اللهِ ، |
بأن تسْكُنَ كالرِّيحِ |
" بِوادٍ غيرِ ذي زَرْعٍ " |
بِقَلْبٍ يافِعٍ يهْفو إلى القطْرِ |
لِتَنْمو بينَ جَدْبينِ |
يسومانِكَ كِفْلَيْنِ من القَحْطِ |
لِما أعْلَنْتَ في الأعرابِ |
لَمَّا آثَرَ الجهلَ أبو جهلٍ |
وآثَرتَ البواريدَ |
وأرْخيتَ إلى اللهِ الخِطاما. |
كُلُّنا حادٍ، |
دعِ النَّخلةَ تُلقي ظِلَّها الوارِفَ في القَلْبِ |
فإناَّ أٌمَّةٌ، تَمْتَدُّ كالظِّل |
إذا مالَ بها الوَقْتُ |
وكالنَّخْلةِ ، |
لاتَطْرَبُ إلا تَحْتَ جَمْرِ القَيظِ |
إنَّا أُمَّةٌ، تَغْسِلُ بالموتِ خطاياها |
ولاتُذْعِنُ ، |
مهما كانَ شَرْمُ الشَّيْخِ رومِيّاً .. |
دَعِ النَخْلَةَ تُلْقي ظِلَّها الوارِفَ |
أَكْفاناً على القُدْسِ |
فَقَدْ ألَْقَيْتُ روحي قبْلَها في النِّيلِ، |
واخْتَرْتُ من الحورِ اللَّواتي |
مَسَّهُنَ الضُّرُّ في الأرْضِ |
وما ساوَمْنَ في حَبَّةِ قَمْحٍ. |
كُلُّنا حادٍ، |
وهذا اللَّحْنُ لا يَفْتُرُ |
مَهْما فَتَكَ الثَلْجُ بِأقْدامِ مطايانا |
فَنَيْنا فيهِ أَنْغاماً |
وأَفْنَيْنا فُصولاً لا تَفي بالعَهْدِ |
حتَّى ضَحِكَ الوَرْدُ |
فَكُنَّا لَونَهُ الزَّاهي. |
أَتَيْنا من لَهيبِ الوَقْتِ |
نَجْتَرُّ مَرايانا بِلا وَجْهٍ |
تَوَحَّدْنا بِهِ، |
بَعْدَ نُضوجِ اللَّوْزِ، |
صِرْنا وَجْهَهُ الباهي. |
أتَيْنا |
كَيْ نُعيدَ الزَّيْتَ للزَّيْتونِ |
قَبْلَ القَطْفَةِ الأولى. |
وَنُلْقِي جَمْرةَ اللهِ |
على الأَرْضِ |
لَقَدْ ضاقَ بِنا الكَوْنُ |
ومازِلْنا نُغَنِّي عَوْدَةَ الطَّيْرِ |
الذِّي يأْكُلُهُ المَنْفَى .. |
شَرِبنا البَحْرَمرَّاتٍ |
على بوَّابةِ النّهْرِ |
فَما قَرَّبَنا المِلْحُ |
إلى اللاّةِ ولا العُزَّى، |
ولَمَّا اسْوَدّ وَجْهُ العُرْبِ |
صِرْنا صَفْحَةً سَوْداءَ |
في إضْبارَةِ الدَّهرِ. |
أَجَلْ إنَّا نُحِبُّ المَوْتَ، |
حتَّى تَطْفَحَ البِئْرُ بِما فيها ... |
وتُلْقَى رايةُ الأَعْرابِ |
والحاخامُ في البِئْرِ. |
أَجَلْ إنَّا نُحِبُّ المَوْتَ، |
حتَّى تَرْتَوي الأَحْجارُ |
بينَ القبْرِ والقَبْرِ. |
أَجَلْ إنَّا نُحِبُّ المَوْتَ |
في الإصْباحِ والإمْساءِ والفَجْرِ. |
نُحِبُّ المَوْتَ، |
مَهْما قالتِ الأعْرابُ آمنَّا |
بِفَتْحِ البابِ |
للخَفَّاشِ والعَنْقاءِ والنَسْرِ. |