هَجَرَ الصِبا وَأَنابَ وَهُوَ طَروبُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
هَجَرَ الصِبا وَأَنابَ وَهُوَ طَروبُ | وَلَقَد يَكونُ وَما يَكادُ يُنيبُ |
دَرَجَت غَضارَتُهُ لِأَوَّلِ نَكبَةٍ | وَمَشى عَلى رَيقِ الشَبابِ مَشيبُ |
قَذَفَت بِهِ الأَيّامُ بَينَ قَوارِعٍ | تَأتي بِهِنَّ حَوادِثٌ وَخُطوبُ |
لِلَّهِ أَنتَ إِذِ الصِبا بِكَ مُولَعٌ | وَإِذِ الهَوى لَكَ جالِبٌ مَجلوبُ |
حَلَّت حُباكَ صَبابَةٌ مَكتومَةٌ | نَطَقتَ بِها مِن مُقلَتَيكَ غُروبُ |
هَلّا عَجَّلتَ عَلى الدُموعِ بِعَزمَةٍ | بَل لَم يَكُن لَكَ في العَزاءِ نَصيبُ |
عَطَفَتهُ بَعدُ جِماحِهِ في سَلوَةٍ | ذِكَرٌ يُعَطِّفُها هَوىً مَغلوبُ |
أَغضى الزَمانُ لَهُ عَلى عَينِ الرِضى | وَعَلَيهِ حارِسٌ وَرَقيبُ |
حَتّى إِذا اِتَّسَقَت لَهُ أَوطارُهُ | طَفِقَت تُطَرِّقُها إِلَيهِ نُكوبُ |
خُذ مِن شَبابِكَ لِلصِبا أَيّامَهُ | هَل تَستَطيعُ اللَهوَ حينَ تَشيبُ |
يا أَيُّها الرَجُلُ المُثَمِّرُ مالَهُ | وَهُوَ المُسَلَّبُ عِرضُهُ المَسلوبُ |
خَلِّ المَكارِمَ قَد كَفاكَ مِراسَها | سَعدانُها وَسَليلُهُ يَعقوبُ |
ذاكَ الرَجاءُ المُستَجارُ بِجودِهِ | مِن نائِباتِ الدَهرِ حينَ تَنوبُ |
كَالكَهلِ مُقتَبَلُ الشَبابِ يُزِيِّنُهُ | حِلمُ التَكَهُّلِ وَالشَبابُ أَريبُ |
وَإِذا الزَمانُ عَدا عَلَيكَ كَفاكَهُ | مِن آلِ سَعدانٍ أَغَرُّ نَجيبُ |
غَمرُ النَدى مَغشِيَةٌ حُجُراتُهُ | سَلِسُ العَطاءِ مُؤَمَّلٌ مَرهوبُ |
يُعطيكَ مُقتَدِراً عَلى أَموالِهِ | لا كَالَّذي يُعطيكَ وَهوَ هَيوبُ |
مِلءُ العُيونِ مُقَلِّصٌ لِنِجادِهِ | طَبِنٌ بِأَنحاءِ الأُمورِ طَبيبُ |
مُتَقَسِّمٌ إِمّا لِبَذلِ عَطِيَّةٍ | أَو نَكبَةٍ يُدعى لَها فَيُجيبُ |
مُتَفاوِتٌ في الرَأيِ مُختَلِطٌ بِهِ | في أَمرِهِ التَرغيبُ وَالتَرهيبُ |
قَرمٌ لِهِمَّتِهِ إِذا سَكَنَ الحَشى | قَلَقٌ يُخالِسُهُ الكَرى وَوَجيبُ |
يُمضي الأُمورَ المُشكِلاتِ عُيونَها | وَمَحَلُّ مُعتَلِجِ الضَميرِ رَحيبُ |
ضَمَّت قَواصيَهُ إِلَيكَ عَزيمَةٌ | تَأتي وَراءَ الأَمرِ وَهوَ غَريبُ |
يُمضي الأُمورَ بِعَزمِ رَأيٍ واحِدٍ | مُعَلّىً بِهِ التَبعيدُ وَالتَقريبُ |
تُلقي العِيانَ إِلى الضَميرِ أَناتُهُ | حَتّى يَبوحَ بِسِرِّهِ التَجريبُ |
شِكسٌ عَلى الآراءِ مُعتَدِلُ الهَوى | شَرِسٌ بِما غَلَبَ الرِجالُ غَلوبُ |
وَكَأَنَّما ذَرَفَت عَلَيكَ بِجودِهِ | دِيَمٌ تَرَنَّمَ تَحتَها شُؤبوبُ |
أَنِفٌ عَنِ الوَطَرِ الجَموحِ إِلى الخَنى | يَرمي الضَميرَ بِظَنِّهِ فَيُشيبُ |
مِن آلِ سَعدانَ الَّذينَ بِجِدِّهِم | نِيلَ الحِفاظُ وَأُحكِم التَأديبُ |
حَلّوا مِنَ المَعروفِ في قُلَلِ العُلى | تَسمو إِلَيهِم أَعيُنٌ وَقُلوبُ |
عاوَدتُ يا يَعقوبُ مِنكَ صَنائِعاً | مَحمودَةً عَهدي بِهِنَّ قَريبُ |
أَعطَيتَني حَتّى مَلَكتُ مَدى الغِنى | بِنَداكَ وَالراجيكَ لَيسَ يَخيبُ |
وَوَعَدتَني فَقَفَرتَ وَعدَكَ بِالَّتي | لَم يَقفُها مَنٌّ وَلا تَثريبُ |