… كلكامش لمْ يحظَ بموتهِ في المرآة، |
فخرج إلى نومه، حياً وبكامل حروبه، |
حيث سبعون أنكيدو وأكثر، تركهم نائمين، |
مِن أوّلِ الفراتِ إلى شرقِ دجلة. |
…، نظّارته، وجواز سفره، |
وساعته التي تأخرت ـ قليلاً عن النوم ـ |
هي ما يجعلني قادراً على رثائه. |
…، ولم أجده على السطح، |
حيث تركته يطيـِّر الطائرات الورقيـَّة، |
والطـِّيورَ التي لا تعود. |
فمن يخرجني من الماضي؟ |
هو الذي لم يمتْ |
فعاش ميتاً |
وهذا اسمُهُ يرثُ الموتى. |
…، حرّفوه وناموا، فلمْ يبقَ منْهُ سوى أخطائه. |
خرج في نهار ليس لأحدٍ معرفة به |
وكان يبتسمُ لأعدائه |
ويعلـِّقُ مفاتيحَ مملكتِهِ |
في رقبةِ ثورِ الموت. |
حقولُ ألغاز غافلة تعبرني، |
وأنا مفخـَّخٌ كالهُدوء، |
وهادئ كالفخّ. |
…، واقفونَ وفي أيديهم ذكرى الأبد |
على ان نهراً مُنتحراً، |
أعادَ أزهارَ الإعتذار لأبطال الفوات، |
وسوى ذلك، |
حرائقُ مستمرَّةٌ تنْحتُ حياتهم. |
رصاصٌ مُهشَّمُ الأسْنانِ، |
تتطايرُ رائحتـُه، |
ظلال خُـوَذٍ مثقوبةٍ تنهار، |
مسدسٌ أعمى يتلفـَّت ببكائه، |
ميت يسهو فيستردُّ أخطاءه بسرعة. |
كان أنكيدو مُجنـَّداً |
في كتيبة الدبابات الحادية والسبعين |
في اللواء المدرَّع الثاني والخمسين. |
يسمُّونـَهُ ولا يقفون، |
وما زالَ يتسلـَّل |
من أخطاء تائهة. |
أكان عليَّ ـ دائماً ـ |
أن أسجن ظلـَّي |
لأصل قبل أن يتكرَّروا فيَّ؟ |
أكان علي أن ألـوِّنـَهُ، |
لكي يعبروا، منه إلي؟ |
طرقٌ مفضيةٌ إلى بريدٍ نائمٍ |
كاد يعود إلى نسيانـِه، |
هم يُرسَلونَ إليه، |
لأنهم ينامون بلا بريد. |
الهاربُ من حروبٍ قديمة |
دلـَّـني على جثـَّةٍ لا تعود لأحد، |
ذلك أن جميع مَن جاءوا، |
تعرَّفوا عليَّ حالاً. |
وما تركوني، |
غير أنني أضعت الكلامَ |
وكان وجهي يحارب. |
أحصيتُ مَن تَركوني، |
فَوجَدتُ أَنـَّـني، |
سأكلـِّمُ ـ لاحقاً ـ |
كَثيْراً مِن الموت. |
وها أنا أقفُ على ضفة أخرى |
ولو نودي عليهِم ـ بصوتي ـ |
لاسودَّت أكفانهم. |
لأجل هذا |
يبيضُّ صوتي، |
وهو يعبرُ أمامَ العميان. |
لم يكن لنا، |
فلماذا نسمِّيه؟ |
أمِنْ أجْـلِ أن نعودَ إلى نهار ضال؟ |
وكانوا على ظلال السلالم، |
يعبرون |
تقودهم سلاسلُ من نـُعاس. |
…، يهربون |
يتبعهم طريقهم إلى روائحهم الراكدة، |
ويدفنون خيالاتهم، |
قبل أن يصل الوقت. |
…، وجوهٌ شاغرةٌ |
لا تستدلُّ على التائهين في النوم، |
وجوهٌ |
يجرجرها رمحٌ ضريرٌ |
إلى حبر غامض. |
قلبي تعضُّه رسائلُ مرَّةٌ |
ودليلي إليك عمايَ الأكيد. |
…، أهذه بلادي؟ |
بلادي التي لم أرها ولم تغنِّ باسمي |
كنتُ فيها، وكانت تحاصرني فـيَّ |
فاخترتـُها، |
لكي أتكاثر خارج الظلّ. |
إجــازته |
نصفُه نومٌ |
ونصفُه نهارٌ مثـْقـلٌ بالمشاغل، |
يرى الأشياء هاربةً فينام. |
شكـُّه مسدساتٌ مُشتقَّة من الخوف، |
واحتجاجه صراخ أعرج، |
ومصدِّقوه، |
حفـَّارون في ليلٍ مؤلل. |
قُبورٌ هاربة تحِنُّ إلى أزهاره الحائرة، |
إلى أمطاره الضالة، |
قبورٌ تهربُ تحتَ سماءٍ تـُشبهها. |
ينظـِّفُ الموسيقى من هواء أجشّ، |
يدخل مُسرعاً، |
وبنظـَّارة تحتال، |
يُصغي إلى فضلاتٍ الهروب. |
رسائله مـُرَّة |
ويـُطيل أيامَه تحت شمس المتوسِّط. |
كَمَنْ يسْـتولي على الانتظارِ كلـِّه، |
يعتقلُ أيـَّامه ويخْرج حُرَّاً، |
لأنـَّهم، كلـَّما نادوه، |
سمعوا نـُعاسَه فسبقوه إلى النوم. |
يوصي: |
أمطاره تتعثـَّر في الطريق، |
يصل منها نعاس |
وخيوطها العمياء. |
ممسوس كظلٍّ، |
وواضح كالغرباء، |
أيـَّامُه تـُسمـِّمُ ذكرياتٍ لا أوَّل لها. |
كان ثالث اثنينِ معه، |
أحدهما ينصتُ بيد أن الغابة تعْبُرُ بينهما، |
بيد أن أشجاراً تنعطفُ، ونهاراً يتأسفُ، |
وأحدهما تركَ عينيه عند جسر طويل، |
وعاد ينصت بيدَ أن الغابة…. |
ساعته |
أعطاها لغيره، لينسى مواعيده مع الله، |
وكانتْ يدُه تؤلمه، |
كلـَّما اهتزَّ قلبُه بينَ فَخذيْ أنثى. |
وغيرُه صارَ راكضاً إلى مواعيدِ ساعته، |
ـ وكانا يلتقيان عند نسيانٍ متلاحق ـ |
وما أنْ انتحر الأخيرُ وسافر الأوَّل، |
حتـَّى بقيتْ ساعة يدوية |
تنتظرهما في يدِ جندي مفقود. |
ينام، وتحلـُمُ عنه، وتغلق الباب أيضاً! |
وفي الصباح تغْسل وجهها نيابة عنه |
وتفرِّشُ أسنانها، ثمَّ تخرجُ، |
بينما لا يزال في السرير، |
معْتقداً إنها ما زالت نائمة قربه. |
نظـَّارتـُهُ |
رَجَمَ بها البحـْرَ عنْدما تذكـَّر إنه ميتٌ، |
وعاد إلى صحرائه بلا ذكريات، |
فالتقطتـْها نـُسورٌ قديمة الأحلام، |
وشاهدتـْه سماءٌ مسـْجونة في زجاجه الأعمى، |
لم يلتفتْ ـ في طريق عودته ـ إلى مآله الحائر، |
حيث خارطة النـَّدم، تشنُّ هروباً على جهات الحواس. |
لم يفركْ عينيه ليصدِّقَ إنـَّه بيـْن أعداءٍ ذوي أرواح مُقـَنـَّعة، |
كان يـُغـْمضُهما ليصِلَ بإشاراته المنـْسيـَّة إلى وجهـِهِ. |
ومنـْذُ ذلك الوقت إلى أيامه تلك، |
صارَ كلُّ ما حولـَه يتخفـَّى ـ مُسرعاً ـ تحت وقـْتِه الهارب |
وصار ـ هوـ يُمطرُ نسياناً كافياً لإيواء عراةٍ مذْهولين |
بعد انسحابٍ موبوء. |
جواز سفره |
أوصوه، |
أنْ يوثقَ ظلـَّه إلى جبلٍ ينهار، |
ووعَدوهُ بما خلـْف البحار |
مِنْ سواحلَ مَنـْذورة لأقدامه، |
وبأنـَّه سيجْهشُ تحتَ أشجارها |
حتـَّى يبيضَّ جمـْرُهُ |
ثُمَّ يصـْمتُ |
حتـى يستعيدَ صرخَته، |
وبأنـَّه سيسـْهرُ |
حتـَّى يـُمطرَ النـَّهارُ في عباءة أمـِّه، |
وعندما اصطدمتْ ـ على خرائطهم ـ فُصولـُه، |
حَـصَدوا أشجارَ نـَومِه، |
فكانَ فجـْرُ دكاكينهم. |
وصِيَّـتـُه |
…، إلاّ إنـَّه يموتُ وكفـَّاه مُقـْفلتانِ، |
بلا أخوةٍ يشبهونـَه ولا ما يذكـِّرُ به من أعداء. |
…، إلاَ أنـَّهُ يعضُّ أحلامـَهُ وينام، |
كي تنطقَ جثـَّة مصابة بالنسيان. |
يصلُ، |
قبلَ أنْ يبدِّلَ الفجـْرُ حرَّاسه. |
فيطول، |
كنخـْلة مرَّة أوصتْ بظلالها، |
ويسْتديرُ، |
كلـَّما أومأتْ مرْوحَة! |
أمامَ عماهُ |
يتحشـَّدُ الغُرباءُ |
بخرائطـَ ممحوّة، |
وينـْعَسون. |