بعدما أنزلوني سمعت الرياح |
في نواح طويل تسف النخيل |
و الخطى و هي تنأى إذن فالجراح |
و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل |
لم تمتني و أنصتّ كان العويل |
يعبر السهل بيني و بين المدينة |
مثل حبل يشدّ السفينة |
و هي تهوي إلى القاع كان النواح |
مثل خيط من النور بين الصباح |
و الدجى في سماء الشتاء الحزينة |
ثم تغفو على ما تحسّ المدينة |
حينما يزهر التوت و البرتقال |
حيت تمتدّ جيكور حتى حدود الخيال |
حين تخضرّ عشبا يغنّي شذاها |
و الشموس التي أرضعتها سناها |
حين يخضرّ حتى دجاها |
يلمس الدفء قلبي فيجري دمي في ثراها |
قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورا |
قلبي الأرض تنبض قمحا وزهرا و ماء نميرا |
قلبي الماء قلبي هو السنبل |
موته البعث يحيا بمن يأكل |
في العجين الذي يستدير |
ويدحى كنهد صغير كثدي الحياة |
متّ بالنار أحرقت ظلماء طيني فظلّ الإله |
كنت بدءا و في البدء كان الفقير |
متّ كي يؤكل الخبز باسمي لكني يزرعوني مع الموسم |
كم حياة سأحيا ففي كل حفرة |
صرت مستقبلا صرت بذرة |
ذرت جيلا من الناس في كل قلب دمي |
قطرة منه أو بعض قطرة |
هكذا عدت فاصفرّ لما رآني يهوذا |
فقد كنت سره |
كأن ظلا قد اسود مني و تمثال فكرة |
جمّدت فيه و استلّت الروح منها |
خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه |
عيناه صخرة |
راح فيها يواري عن الناس قبره |
خاف من دفئها من محال عليه فخبّر عنها |
أنت أم ذاك ظلي قد أبيضّ وارفضّ نورا |
أنت من عالم الموت تسعى هو الموت مرّه |
هكذا قال آباؤنا هكذا علمونا فهل كان زورا |
ذاك ما ظنّ لما رآني و قالته نظرة |
قدم تعدو قدم قدم |
القبر يكاد بوقع خطاها ينهدم |
أترى جاءوا من غيرهم |
قدم قدم قدم |
ألقيت الصخر على صدري |
أو ما صلبوني أمس فها أنا في قبري |
فليأتوا إني في قبري |
من يدري أني من يدري |
ورفاق يهوذا من سيصدق ما زعموا |
قدم قدم |
ها أنا الآن عريان في قبري المظلم |
كنت بالأمس ألتف كالظن كالبرعم |
تحت أكفاني الثلج يخضل زهر الدم |
كنت كالظل بين الدجى و النهار |
ثم فجرت نفسي كنوزا فعرّيتها كالثمار |
حين فصلت جيبي قماطا و كمّي دثار |
حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار |
حين عريت جرحي و ضمدت حرجا سواه |
حطم السور بيني و بين الإله |
فاجأ الجند حتى جراحي و دقات قلبي |
فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبرة |
فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمرة |
سرب جوعى من الطير في قرية مقفرة |
أعين البندقيات يأكلن دربي |
شرع تحلم النار فيها بصلبي |
إن تكن من حديد و نار فأحداق شعبي |
من ضياء السماوات من ذكريات و حب ّ |
تحمل العبء عني فيندى صليبي فما أصغره |
ذلك الموت موتي و ما أكبره |
بعد أن سمّروني و ألقيت عينيّ نحو المدينة |
كدت لا أعرف السهل و السور و المقبرة |
كان شيء مدى ما ترى العين |
كالغابة المزهرة |
كان في كلّ مرمى صليب و أم حزينة |
قدس الربّ |
هذا مخاض المدينة |