أنا أيها الطاغوت مقتحم الرتاج على الغيوب |
أبصرت يومك و هو يأزف |
هذه سحب الغروب |
يتوهج الدم في حفافيها و تنثر في الدروب |
شفق البنفسج و الورود و لون أردية الضحايا |
فتشع أعمدة عوابس و الرصيف من الصبايا |
و النسوة المتهامسات كحقل قمح و السطوح |
كأن بابل أودعتها من جنائنها بقايا |
لو أن غرسا كان بشر و أسمع من يصيح |
هو ذا يساق إلى الحساب كأن أعراق المغيب |
قطعت فصاح كأن صوتا من لظى حملته ريح |
من كل أودية الجحيم هواه |
إني شهدت سواك ينسفه اختناق للصدور |
بغيظها وسمعت قفقفة الضحايا في القبور |
و دم الحوامل و هو تشربه الأجنحة في دجاها |
فسمعت وقع خطاك خائرة تجر إلى السعير |
حطام جسمك و السعير مدى تراها |
تحتز من قصبات صدرك ثأر كل دم العصور |
إني أكلت مع الضحايا في صحاف من دماء |
و شربت ما ترك الفم المسلول منه على الوعاء |
و شممت ما سلخ الجذام من الجلود على ردائي |
و نشقت ماء جوارب السجناء في نفس الهواء |
فشممت فيه دخان دارك و احتراق بنيك فيها |
و شواء لحم بنيك لولا أن شيمة محرقيها |
ألا يذوق الأبرياء جزاء غير الأبرياء |
إني شببت مع الجياع مع الملايين الفقيرة |
فعرفت أسرارا كثيرة |
كل اختلاجات القلوب و كل ألوان الدعاء |
إغضاءة المقل الضريرة |
يتطلع الدم في ظلام جفونهنّ إلى الضياء |
و الحاملات نذورهن إلى قبور الأولياء |
الموقدات شموعهن تلق ألسنها الكثيرة |
كسر الرغيف و يعتصرن دم الثدي إلى الدماء |
و تأوه المستنقعات وزفة البرديّ فيها |
و طنين أجنحة البعوض كأن غرقى ساكنيها |
يتنفسون من القرار و يضرعون إلى السماء |
أن ينجو الأطفال من غرق وحمّى في الهواء |
و ملالة الأكواخ تشرب كل أمطار الشتاء |
حتى تغص بها فللقصب النقيع بكل ماء |
شهقات محتضر يغر و إن تقيأ بالدواء |
و تنهد الأشجار عطشى يابسات في الظهيرة |
تنكسر الورقات فيها و المناقير الصغيرة |
فكأن مقبرة الهجيرة |
تمتص من رحم الحياة لتسقي الموتى عصيره |
أنا قارئ الدم لا تراه و أنت أنت المستبيح |
أفلست تجرؤ أن تحدق فيه علك تستريح |
من ازدياد دم تذر على جفونك منه نار |
لزج يسل مع الرقاد كأن بؤبؤك الذبيح |
قابيل حدق في دماء أخيه أمس |
و أنت يأخذك الدوار |
من رؤية الدم و هو ينزف ثم يركد فالغبار |
من تحته كفم الرضيع له اختلاج و افترار |
أتخاف أن تطأ النبؤة مقلتيك هو الدمار |
أتخاف منها أن تفرّ كأن سرب قطا يثار |
فأنت مع هلع تخض إلى المشاش هو الدمار |
إني خبرت الجوع يعصر من دمي و يمصّ مائي |
و عرفت ما قلق الطريد يكاد كل فم ورائي |
يعوي ب ها هو ذا و توشك كل عين ألتقيها |
أن يومض اسمي في قرارتها و جهلي بالدروب |
و لست أسأل عابريها عن بعيد عن قريب |
من منتهاها و اكتئابي و الحنين مع الغروب |
و توقع المتعقبين خطاي أحسب في صداها |
وقع الخطى و أكاد ألتفت التفاتة مستريب |
ألا تشد يد على كتفي و أوشك أن أراها |
أعرفت ذاك ؟ فسوف تعرف منه دنيا في مداها |
تصطف أعمدة عوابس ثم تسمع من يصيح |
هوذا يساق إلى الحساب كأنما اطرحت رداها |
جثت القبور كأن صوتا من لظى حملته ريح |
من كل أدوية الجحيم هوا..ه |