أرأيت قافلة الضّياع ؟ أما رأيت النازحين |
الحاملين على الكواهل من مجاعات السنين |
آثام كل الخاطئين |
النازفين بلا دماء |
السائرين إلى وراء |
كي يدفنوا هابيل و هو على الصليب ركام طين |
قابيل أين أخوك أين أخوك |
جمعت السماء |
آمادها لتصيح كورت النجوم إلى نداء |
قابيل أين أخوك |
يرقد في خيام اللاجئين |
السل يوهن ساعديه و جئته أنا بالدواء |
و الجوع لعنة آدم الأولى و إرث الهالكين |
ساواه و الحيوان ثم رماه أسفل سافلين |
و رفعته أنا بالرغيف من الحضيض إلى العلاء |
الليل يجهض و السفائن مثقلات بالغزاة |
بالفاتحين من اليهود |
يلقين في حيفا مراسيهن كابوس تراه |
تحت التراب محاجر الموتى فتجحظ في اللحود |
الليل يجهض فالصباح من الحرائق في ضحاه |
الليل يجهض فالحياة |
شيء ترجح لا يموت و لا يعيش بلا حدود |
شيء تفتح جانباه على المقابر و المهود |
شيء يقول هنا الحدود |
هذا لكل اللاجئين و كل هذا لليهود |
النار تصرخ في المزارع و المنازل و الدروب |
في كل منعطف تصيح أنا النضار أنا النضار |
من كل سنبلة تصيح و من نوافذ كل دار |
أنا عجل سيناء الإله أنا الضمير أنا الشعوب |
أنا النضار |
النار تتبعنا كأن مدى اللصوص و كل قطاع الطريق |
يلهثن فيها بالوباء كأن ألسنة الكلاب |
تلتز منها كالمبارد و هي تحفر في جدار النور باب |
تتصبب الظلماء كالطوفان منه فلا تراب |
ليعاد منه الخلق و انجرف المسيح مع العباب |
كان المسيح بجنبه الدامي و مئزره العتيق |
يسد ما حفرته ألسنة الكلاب |
فاجتاحه الطوفان حتى ليس ينزف منه جنب أو جبين |
إلا دجى كالطين تبنى منه دور اللاجئين |
النار تركض كالخيول وراءنا أهم المغول |
على ظهور الصافنات و هل سألت الغابرين |
أروضوا أمس الخيول |
أم نحن بدء الناس كل تراثنا أنصاب طين |
النار تصهل من ورائي و القذائف لا تنام |
عيونها و أبي على ظهري و في رحمي جنين |
عريان دون فم و لا بصر تكور في الظلام |
في بركة الدم و هو يفرك أنفه بيد و كالجرس الصغير |
يرن ملء دمي صداه تكاد تومض كل روحي بالسلام |
حتى أكاد أراه في غبش الدماء المستنير |
عريان دون فم كأفقر ما يكون بلا عظام |
و بلا أب و بدون حيفا دون ذكرى كالظلام |
أسريت أعبر تحت أجنحة الحديد به الزمان |
من الحقول إلى المراعي فالكهوف |
و الأرض تطمس من وراء ظهورنا كالأبجدية |
ألدور فيها و الدوالي شاخصات كالحروف |
فكأن أمس غد يلوح و ليس بينهما مكان |
لم يخرجونا من قرانا و حدهنّ و لا من المدن الرخيّة |
لكنهم قد أخرجونا من صعيد الآدميّة |
فاليوم تمتلئ الكهوف بنا و نعوي جائعين |
و نموت فيها لا نخلف للصغار على الصخور |
سوى هباب ما نقشنا فيه من أسد طعين |
و نموت فيها لا نخلف بعدنا حتى قبور |
ماذا نحط على شواهدها أ كانوا لاجئين |
اليوم تمتلئ الكهوف بنا تظلل بالخيام |
و بالصفيح و قد تغلهن بالآجر دور |
و النور كالتابوت فيها ليس فيه سوى ظلام |
بين الكهوف و بين حيفا من ظلام ألف عام أو يزيد |
بين الكهوف و بين أمس هناك بئر لا قرار |
لها كهاوية الجحيم تلز فاها دون نار |
تتعلق الأحداث فيها كالجلامد في جدار |
لحدا على لحد أزيح الطين عنها و الحجار |
من يدفن الموتى و قد كشفوا و ماتوا من جديد |
من يدفن الموتى |
ليولد تحت صخرة كل شاهدة و ليد |
من يدفن الموتى لئلا يزحموا باب الحياة |
على أكف القابلات |
من يدفن الموتى لنعرف أننا بشر جديد |
في كل شهر من شهور الجوع يومىء يوم عيد |
فنخف نحمل من تذاكرنا صليب اللاجئين |
يا مكتبا للغوث في سيناء هب للتائهين |
مناو سلوى من شعير و المشيمة للجنين |
و اجعل له المطّاط سره |
وارزقه ثديا من زجاج واحش بالإدريج صدره |
و بأيما لغة نقول فيستجيب الآخرون |
و نورث الدم للصغار |
أعلمت حين نقول دار أو سماء أي دار |
أو سماء تخطران على العيون |
هيهات ليس للاجئين و لاجئات من قرار |
أو ديار |
إلا مرابع كان فيها أمس معنى أن نكون |
سنظل نضرب كالمجوس نجس ميلاد النهار |
كم ليلة ظلماء كالرحم انتظرنا في دجاها |
نتلمس الدم في جوانبها و نعصر من قواها |
شع الوميض على رتاج سمائها مفتاح نار |
حتى حسبنا أن باب الصبح يفرج ثم غار |
و غادر الحرس الحدود |
و اختصّ رعد في مقابر صمتها يعد القفار |
ثم اضمحل إلى غبار بين أحذية الجنود |
الليل أجهض ناره الحمى و ديمته انتحاب الضائعين |
الليل أجهض ليس فيه سوى مجوس اللاجئين |
النار تركض كالخيول وراءنا أهم المغول |
على ظهور الصافنات ؟ و هل سألت الغابرين |
أروضوا أمس الخيول |
أم نحن بدء الناس كل تراثتا أنصاب طين |