يا نهر عاد إليك من أبد اللحود و من خواء الهالكين |
راعيك في الزمن البعيد يسرح البصر الحزين |
في ضفتيك و يسأل الأشجار عندك عن هواه |
أوراقها سقطت و عادت ثم أذبلها الخريف |
و تبدلت عشرين مرة |
هيهات يسمع إذ توسوس في الدجى أصداء آه |
بالأمس أطلقها لديك ترن في جرس الحفيف |
كم قبلة عادت دوائر في مياهك مستسرة |
دنياه كانت أمس فيك فهل تعود إلى الحياة |
ليود من شغف بمائك لو غدا |
ظلا يداعب فيه جنيّاته |
متعلقا بشراع كل سفينة |
ليجاذب الملاح أغنيّاته |
وتلوذ أنوار النجوم بصدره |
و تراقص الأمواج من ضحكاته |
ما أخيب الموتى إذا رجعوا إلى الدنيا القديمة |
و تلصصوا يتطلعون كما تطلع من كوى دار شريد |
و رأى ثمار الجمر سار عصيرها دفئا و جال عبيرها المهدود |
ما أخيب الموتى تكاد موتهم الهزيمة |
شيئا أمرّ من الحياة |
ما أخيب الموتى تغير كل شيء كل باق |
مما أطلّ على الحياة لانهم كانوا كواه |
أم مات ما عرفوه إذ ماتوا فليس سوى رؤاه ؟ |
فتكبدوا ألم الفراق |
ألم التغرب مرتين فيا ضفاف النهر يا أمواجه و محاره |
ماذا تبقى فيك من أمس الهوى ؟ |
الدوح أسلم للبلى ورقاته |
و هي التي سمعت لديك حواره |
و هي التي أودعت فيها في الضحى |
قبلاتنا وطويت فيها ناره |
إتى ذويت مع الظلام كما ذوى |
ياليت لي شفة فتلثم أو يدا فتمسّ ماءك |
إني لأكثر من غريب غربة و أشد حيرة |
لم يبق فيك سوى الزمان و ليس ما فيك قطرة |
من ماء أمس كأن فجرك عاد قبل غد مساءك |
و كأن ضفتك الحبيبة ضفّة الأبد البعيد |
يا نهر أن وردتك " هالة " و الربيع الطلق في نيسانه |
و لى صباها فهي ترتجف الكهولة و هي تحلم بالورود |
في حين أثقلها الجليد كأن نبعا في اللحود |
تمتص منه عروقها دمها فقل لم ينس عهدك |
و هو في أكفانه . |