مطفأة هي النوافذ الكثار |
و باب جدّي موصد و بيته انتظار |
و أطرق الباب فمن يجيب يفتح ؟ |
تجيبني الطفولة الشباب منذ صار |
تجيبني الجرار جف ماؤها فليس تنضح |
بويب غير أنها تذرذر الغبار |
مطفأة هي الشموس فيه و النجوم |
الحقب الثلاث منذ أن خفقت للحياة |
في بيت جدي ازدحمن فيه كالغيوم |
تختصر البحار في خدودهن و المياه |
فنحن لا نلم بالردى من القبور |
فأوجه العجائز |
أفصح في الحديث عن مناجل العصور |
من القبور فيه و الجنائز |
و حين تقفز البيوت من بناتها |
و ساكنيها من أغانيها و من شكاتها |
نحس كيف يسحق الزمان إذ يدور |
** |
أأشتهيك يا حجارة الجدار يا بلاط يا حديد يا طلاء |
أأشتهي التقاءكن مثلما انتهى إلي فيه ؟ |
أم الصّبا صباي و الطفولة اللعوب و الهناء |
وهل بكيت أن تضعضع البناء |
و أقفر الفناء أم بكيت ساكنيه ؟ |
أم أنني رأيت في خرابك الفناء |
محدقا إليّ منك من دمي |
مكشرا من الحجار ؟ آه أيّ برعم |
يربّ فيك ؟ برعم الردى غدا أموت |
و لن يظل من قواي ما يظل من خرائب البيوت |
لا أنشق الضياء لا أعضعض الهواء |
لا أعصر النهار أو يمصّني المساء |
** |
كأنّ مقلتي بل كأنني انبعثت ( أورفيوس ) |
تمصّه الخرائب الهوى إلى الجحيم |
فيلتقي بمقلتيه ، يلتقي بها بيورديس |
آه يا عروس |
يا توأم الشباب يا زنبقة النعيم |
طريقة ابتناه بالحنين و الغناء |
براعم الخلود فتحت له مغالق الفناء |
و بالغناء يا صباي يا عظام يا رميم |
كسوتك الرواء و الضياء |
طفولتي صباي أين أين كلّ ذاك ؟ |
أين حياة لا يحد من طريقها الطويل سور |
كشر عن بوّابة كأعين الشباك |
تفضي إلى القبور |
و الكون بالحياة ينبض : المياه و الصخور |
وذرة الغبار و النمال و الحديد |
و كل لحن كل موسم جديد |
الحرث و البذار و الزهور |
وكل ضاحك فمن فؤاده و كل ناطق فمن فؤاده |
وكل نائح فمن فؤاده و الأرض لا تدور |
و الشمس إذ تغيب تستريح كالصغير في رقاده |
و المرء لا يموت إن لم يفترسه في الظلام ذيب |
أو يختطفه مارد و المرء لا يشيب |
( فهكذا الشيوخ منذ يولدون |
الشعر الأبيض و العصي و الذوقون ) |
** |
و في ليالي الصيف حين ينعس القمر |
و تذبل النجوم في أوائل السحر |
أفيق أجمع الندى من الشجر |
في قدح ليقتل السعال و الهزال |
و في المساء كنت أستحمّ بالنجوم |
عيناي تلقطانهن نجمة فنجمة وراكب الهلال |
سفينة كأن سندباد في ارتحال |
شراعي الغيوم |
و مرفأي المحال |
و أبصر الله على هيئة نخلة كتاج نخلة يبيضّ |
في الظلام |
أحسه يقول : يا بني يا غلام |
و هبتك الحياة و الحنان و النجوم |
وهبتها لمقلتيك و المطر |
للقدمين الغضتين فاشرب الحياة |
وعبّها يحبّك الإله |
أهكذا السنون تذهب |
أهكذا الحياة تنضب ؟ |
أحس أنني أذوب أتعب |
أموت كالشجر . |