دموع و تنهّدات
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا | أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا |
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى | تدفّق من عينيّ أحمر قانيا |
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا | و تغري بي الوجد الطيور شواديا |
فأبكي لما بي من جوى و صبابة | و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا |
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة | و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا |
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها | و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا |
يشقّ على خدع فؤاده | و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا |
طلبت على البلوى معينا ففاتني | يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا |
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها | يظنّ شكايات النفوس تشاكيا |
رميت من الدنيا بما لو قليله | رميت به الأيّام صارت لياليا |
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني | ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا |
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة | و أحزان قلبي باقيات كما هيا |
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى | سلوت ، و لكن أمّتي و بلاديا |
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة | طربت فألقى منكباي ردائيا |
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها | و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا |
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة | و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا |
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي | بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا |
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله | و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا |
*** | |
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى | و صار بنوها العاقلون ضواريا |
فما تنبت الغبراء غير مصائب | و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا |
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه | و ما الخضمّ المنشآت الجواريا |
و بات سبيل كان يسري به الفتى | بلا حارس ، يمشي به الجيش خاشيا |
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم | فليس لهم نحوي وصول و لا ليا |
و كان لنا في الكتب عون على الأسى | و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا |
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا | و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا |
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه | بسمعي و لو كان المحدّث واشيا |
و تعلم نفسي أنّه غير عالم | و لكنّني أستدفع اليأس راجيا |
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا | و طال فبتنا ما نكذّب راويا |
أقضي نهاري طائر النفس حائرا | و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا |
فما هم بأموات فنبكي عليهم | ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا |
*** | |
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم | حفاة عراة جائعين صواديا |
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم | و بالجند تعطي الثائرين المواضيا |
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم | كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا |
كأنّي بالدّور الحسان خرائب | كأنّي بالجنّات صارت فيافيا |
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي | كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا |
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي | كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا |
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه | و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا |
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما | عصا فيهم التركي و فينا النواهيا |
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد | و حارب " بالسوري " أخاه " اليمانيا " |
فإن ينس " حورانا " فتاه و جاره | فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا ) |
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا | من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا |
و يا ليت من باع البلاد و أهلها | " بفلكين " لم يخت لها البؤس شاريا |
*** | |
فيا أمّة قد طال عهد سباتها | متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا |
إلى كم تودّين البقاء لمعشر | بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا |
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم | تسامون منهم ما تسام المواشيا |
أم آن يسترجع التاج أهله | و يسترجع التاج المهابة ثانيا |
من كان ( جنكيز ) " لقحطان " سيّدا | فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟ |
*** | |
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم | فكونوا لمن ضلّ المحجّة ، هاديا |
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله | فلا يعذرون النّاظر المتعاميا |
أرى ظلمات مطبقات حوالكم | فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا |
غدا ينشر التاريخ حديثه | و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا |
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا | و إن شئتم أمسى عليكم مساويا |
*** | |
و يا أيّها الجالون بلادكم | تناديكم لو تسمعون مناديا |
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة | وساق عليها جبشه الجوع غازيا |
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم | كأنّهم ماء أضاع المجاريا |
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم | على حين يغشى الدمع تلك المآقيا |
من العار أين يكسو الحرير جسومكم | و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا |
من العار أن يبقى عليكم جمودكم | وقد بلغت تلك النفوس التراقيا |
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه | رآه عليه العالمون مخازيا |
إذا المرء لم يسع لخير بلاده | يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا |