أبي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني | وذا بعضها الثاني يفيض به جفني |
أبي! خانني فيك الرّدى فتقوضت | مقاصير أحلامي كبيت من التّين |
وكانت رياضي حاليات ضواحكا | فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني |
وكانت دناني بالسرور مليئة | فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ |
فليس سوى طعم المنّية في فمي، | وليس سوى صوت النوادب في أذني |
ولا حسن في ناظري وقلّما | فتحتهما من قبل إلاّ على حسن |
وما صور الأشياء ، بعدك غيرها | ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن |
على منكي تبر الضحى وعقيقه | وقلبي في نار ، وعيناي في دجن |
أبحث الأسى دمعي وأنهيته دمي | وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن |
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي | كمستنكر في عاصف رعشة الغضن |
يقول المعزّي ليس يحدي البكا الفتى | وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني |
شخصت بروحي حائرا متطلعا | إلى ما وراء البحر أأدنو وأستدني |
كذات جناح أدرك السيل عشّها | فطارت على روع تحوم على الوكن |
فواها لو اني في القوم عندما | نظلرت إلى العوّاد تسألهم عنّي |
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها | فكنت مع الباكين في ساعة الدفن |
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها | وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن |
فأعظم مجدي كان أنك لي أب | وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني! |
أقول : لي اني... كي أبرّد لو عتي | فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني! |
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى؟ | أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن! |
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني | أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني |
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى | فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟ |
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا | ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن |
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى | ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن |
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة | كأرض بلا مناء وصوت بلا لحن |
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها | وضحكك والإيناس للبحار والخدن |
جريء على الباغي، عيوف عن الخنا، | سريع إلى الداعي ، كريم بلا منّ |
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر | لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ |
فما استشعر المصغي إليك ملالة | ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني |
برغمك فارقت الربوع ىوإذا | على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن |
طريق مشى فيها الملايين قبلنا | من المليك السامي عبده إلى عبده الفنّ |
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها | وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن |
تروح وتغدو حرّة في عبابه | كما يتهادى ساكن السجن في السجن |
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى | فشالت وكانت جعجعات بلا طحن |
فأصدق أهل الأرض معلرفة به | كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ |
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده | وذاك كهذا ليس منه على أمن |
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض | على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن |
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة | وحصن الوفاء المحصن في ذلك الحصن |
ضريحك مهما يستسرّ وبلذة | أقمت بها تبني المحامد ما تبني |
أحبّ من الأبراج طالت قبابها | وأجمل في عينيّ من أجمل المدن |
علىذلك القبر السلام فذكره | أريج بهنفسي عن العطر تستغني |