الأجنحة المحترقة
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أدنا المزار و قرّت العينان | و فرغتما من لهفة و حنان ؟ |
و هززتما بالشّوق كفّ مسلّم | و هفّت إلى تقبيله الشّفتان؟ |
و حلا العناق على اللّقاء و أومأت | لكما الدّيار ، فرفرف القلبان؟ |
و على الثّغور الباسمات بشائر | وعلى الوجوه المشرقات أماني؟ |
و على سماء النّيل من سمة الضّحى | وضح من ثغريكما وضحان؟ |
و على الضّفاف الضّاحكات مزاهر | و على السّفين الرّاقصات أغاني؟ |
يوم تطلّعت المنى لصاحبه | و تحدّثت عنه بكلّ لسان! |
و سرى التّخيل في النفوس فهزّها | مرح الطّروب و غبطة النّشوان |
و الأفق مربدّ الأديم، و أنتما | فوق الرّياح الهوج منطلقان |
تتخايلان على السّحاب برفرف | بلواء مصر مظلّل مزدان |
تتطلّعان إلى السّديم كأنّما | تتخيران لها أعزّ مكان |
و تحدّثان النّجم عن أوصافها | و النّجم مأخوذ بما تصفان |
علّقتما بالنّاظرين خيالها | شوقا و أجفان المنون رواني |
هي خطرة، أو نظرة ، و درجتما | في جوف عاصفة من النيران |
طاش الزّمام فلا السّحاب مقرب | لكما و لا الجبل الأشمّ مداني |
و هوى الجناح فلا الرّياح خوافق | فيه و لا الأرواح طوع عنان |
سدّت طريقكما الحتوف و انتما | تتحرّقان هوى إلى الأوطان |
و مشى الرّدى بكما و تحت جناحه | جسمان بل قلبان محترقان !! |
يا ملهميّ الشّعر هذا موقف | الشّعر فيه فوق كل بيان |
لوددت لو أنّي عرضت بناته | في المهرجان نواثر الرّيحان |
و عقدت من شعري و من ريحانها | إكليل غار أو نظيم جمان |
أنا من يغنّي بالمصارع في العلى | و يشيد بالآلام و الأحزان |
ماذا وراء الدّمع من أمنية | أو ما وراء النّوح من نشدان؟ |
أصبحت ذا القلب الحديد و إن أكن | في النّاس ذاك الشّاعر الإنساني |
و وهبت قلبي للخطار ، فللهوى | شطر ، وللعلياء شطر ثاني |
و عشقت موت الخالدين و عفت من | عمري حقارة كلّ يوم فاني |
لولا الضّحايا الباذلون دماءهم | طوت الوجود غيابة النّسيان |
هذا الّدم الغالي الذي أرخصتم | هو في بناء المجد أول باني |
تبنون للوطن الحياة و هكذا | تبني الحياة مصارع الشّجعان |
*** | |
مثلتما في الموت وحدة أمّة | ذاقت من التّفريق كلّ هوان |
مسح الهلال دم الصّليب و ضمّدت | جرح الأهلّة راحة الصّلبان |
إن كان في ساح الرّدى لكليكما | مثل ففي ساح الفدا مثلان ! |
عذرا فرنسا إن جزعت فإنّه | قدر و مالك بالقضاء يدان |
هزّتك بالرّوعات قبل مصابنا | أمم ملكن أعنّة الطّيران |
واسيت مصر فما هوى نجم لها | إلاّ و منك عليه صدر حاني |
حيّ سماء الفرقدين و قدّسي | من تربك الغالي أعزّ مكان |
فهناك دم روّى ثراك و ههنا | قلبان تحت الصّخر يختلجان |
يا أمّة الشّهداء أنت بثكلهم | أدرى و بالأحزان و الأشجان |
ألغار أحقر أن يكلّل هامهم | و رؤوسهم أغلى من التّيجان |
لغد صبرنا للزّمان و في غد | نعفو و نغفر للزّمان الجاني |
و نمد للأيّام كفّ مصافح | يجزي المسيء إليه بالإحسان |
و ندلّ فوق النّيرات بموكب | فيه الحجى و البأس يلتقيان |
و نهزّ أجنحة الحياة و نعتلي | بخفافهنّ مناكب العقبان |
و ننصّ راية مصر أنّى تشتهي | مصر ، و يرضاه لها الهرمان |
أقبل سلاح الجوّ ، إنّ عيوننا | للقاك لم يغمض لها جفنان |
أقبل سلاح الجوّ، إنّ قلوبنا | كادت تطير إليك بالخفقان |
رفرف على البلد الأمين و حيّه | و انزل إلى الوادي و طر بأمان |
كن للسّلام وقاءه، و لواءه | و شعاعه الهادي على الأزمان |
و إذا دعتك الحادثات فلبّها | بحميّة المستقتل المتفاني |
ليضنّ بالأعمار كلّ معاجز | و ليخش حرب الدّهر كلّ جبان |
ليثر على القضبان كلّ معذّب | و ليحطم الأصفاد كلّ معاني |
هذا الزّمان الحرّ مال شعوبه | صبر على الأصفاد و القضبان |
لكم الذد المرجوّ فتيان الحمى | و اليوم يومكم العظيم الشّان |
لا تثنيّنكم المنايا إنّها | سرّ البقاء و سنّة العمران |
كونوا من الفادين إن عز ّ الفدا | كم في الفداء من الخلود معاني |
و لئن حرمتم من متاع شبابكم | إنّ النّعيم ينال بالحرمان |
ليكن لكم في كلّ أفق طائر | ليكن لكم قس كلّ أرض باني |
و لينخسنّ البحر من أسطولكم | علم كنجم المدلج الحيران |
سيروا بهدي الأحمرين و مهّدوا | بهما سبيل المجد و السّلطان |
لم تبصر الأمم الحياة على سني | كالنّار في شفق الدّماء القاني! |