أرشيف المقالات

10 وقفات وتوجيهات تربوية وإيمانية من قصة موسى عليه السلام مع فرعون

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
10 وقفات وتوجيهات تربوية وإيمانية من قصة موسى عليه السلام مع فرعون
 
الوقفة الأولى:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4].
 
موقف: تجبر فرعون في مواضع عدة؛ منها: أمره بقتل كل صبي يُولد من بني إسرائيل؛ خوفًا من رؤيا علم من خلالها أن زوال ملكه سيكون على رجل يُولد من بني إسرائيل، وسخر كل شيء يملكه لإمضاء ما يريد، ولكن الله تعالى فوق ما يريد؛ فمضى حكم الله الذي لا يُمنع.
 
توجيه: تعلق دومًا بمن بيده ملكوت كل شيء، واعلم أنه مهما كانت المعطيات البشرية لمرادك ضعيفة، والموانع من تحقيقه قوية، فإن إرادة الله تعالى فوق كل إرادة، وردد في دعائك بيقين: (اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت؛ فأعطني سؤلي وحقق مرادي).
 
الوقفة الثانية:
قال تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7].
 
موقف أم موسى عصيب للغاية؛ ففي الوقت الذي يُذبح فيه الأطفال، أوحى الله تعالى لها أن ترضعه، ويمكث عندها، فإذا أحست بخوف يوصله إليهم أن تلقيه في اليم – أي: نيل مصر - في وسط تابوت مغلق، وبشرها بأنه سيرده عليها، وسيكبر ويسلم من كيدهم، ويجعله الله رسولًا.
 
توجيه: إذا ضاقت بك الدنيا، واستعصت عليك الأمور، وأحاطت بك الشدائد، فتسلح لها باليقين بالله تعالى، عندها ستبهرك ألطافه.
 
أم موسى خافت عليه لصعوبة الأحداث وشدة الأقدار، أُلقيَ في بحر متلاطم، ثم استقر به الأمر في بيت عدو يتربص ويبطش حتى صار قلبها فارغًا من كل شيء من أمر الدنيا؛ لانشغاله بموسى عليه السلام، لكن يقينها بالله تعالى أورثها ألطافًا عظيمة؛ منها:
الثبات والربط على قلبها.
ومنها بشرى رد موسى إليها.
ومنها اصطفاء الله له بالرسالة.
ومنها قرة العين والنُّعْمَى بموسى أكثر مما مضى.
ومنها ذهاب الحزن.
ومنها العلم اليقيني لها ولمن يقرأ قصتها أن وعد الله حق للقلوب المتيقنة.
 
قال تعالى: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10].
 
وقال تعالى: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13].
 
الوقفة الثالثة:
قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: 16، 17].
 
موقف موسى عليه السلام بعد توبته من قتل القبطي موقف العبد الشاكر، فلما غفر الله له، شكر الله تعالى على هذه النعمة بمفارقة أهل العبث والإجرام.
 
توجيه: ينبغي للعبد أن يتمثل شكره لله بالمبادرة لعبادته وطاعته والامتثال لأمره، فإذا امتن الله تعالى عليك بنعمة، فاعلم أن من سبل شكرها قيامك بطاعة الله تعالى، وقد دلت النصوص على هذا الشكر؛ ومنه: شكر موسى عليه السلام نعمة النجاة من فرعون وقومه بصيام يوم عاشوراء ((فصام موسى شكرًا لله تعالى))، وتبعه على هذا نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: ((أنا أولى بموسى منهم))؛ فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، ولما قام النبي صلى الله عليه وسلم الليل قيامًا طويلًا وراجعته عائشة شفقة عليه؛ قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)).
 
الوقفة الرابعة:
قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [القصص: 22].
 
موقف: موسى عليه السلام منذ خروجه من المدينة تحيط به المخاوف، كانت عبادة الدعاء والضراعة لله تعالى حاضرة معه، مع استمراره في رسالة بذل الخير وإعانة العباد، تأمل طلبه للنجاة من الظَّلَمةِ؛ ثم هدايته السبيل في قوله تعالى: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [القصص: 21، 22]، وفي أثناء مخاوفه وحاجته لم يستكن لظروفه وإنما تلمس فضل الله عليه بفعل الخير للغير ثم دعاء الله تعالى تارة أخرى متوسلًا بضعف الحال والافتقار لله تعالى: ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24].
 
توجيه: أبرز اللفتات التربوية هنا أمران:
١- أهمية حضور الدعاء في جميع شؤونك يتنقل معك في الأمر الذي تتقلب وتنشغل فيه، دعاء مسألة ودعاء ثناء وافتقار له سبحانه.
 
٢- عدم الركون لظروفك وترك بذل الخير والدعوة ونفع الغير، بل إن نفعك لأخيك معنويًّا أو حسيًّا هو أحد طرق إعانة الله لك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)).
 
الوقفة الخامسة:
﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34].
موقف موسى عليه السلام وطلبه في بداية دعوته مشيدًا برفيقه في الدعوة هارون عليه السلام فيه رسالتان دعويتان تتمثلان في هاتين الكلمتين:
١- (رِدْءًا)؛ أي: معينًا له في الدعوة إلى الله، وفي هذا إشارة لأهمية الدعوة الجماعية.
 
٢- (هو أفصح مني لسانًا)؛ أي: أميز مني بفصاحة اللسان، وفي هذا إشارة لأهمية الدعوة التكاملية.
 
توجيه: الدعوة الجماعية لها أثر بالغ على نفس الداعي من جهة تشجيعه وشد أزره؛ ولذا قال تعالى: ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ﴾ [القصص: 35]، وعلى نفس المدعوين من جهة قوة الدعوة ونصرتها وبيان الحق، وكثرة أهله والداعين له.
 
وموسى عليه السلام مع جلالة قدره وبلوغ أثره الدعوي لم ينس ما كان عليه هارون عليه السلام من مزية، بل لعظيم صدق موسى وصفاء دعوته دعا الله تعالى بطلب هذه المزية تأكيدًا لها، وفي هذا بيان لأهمية التكامل الدعوي والإشادة بميزات الدعاة والاستفادة منها، وطرح حظوظ النفس، والسمو بالقلب لنصرة الدعوة بأفضل الطاقات، بدلًا من هدرها بالتهميش، فكم من داعية أيقظته كلمة صادقة مشجعة من أخٍ له! وكم من جهود دعوية اتسع أثرها بتضافرها! وبهاتين الميزتين (أفصح مني لسانًا، ردءًا)، يتحقق التكامل والتضافر الدعوي.
 
الوقفة السادسة:
قال تعالى: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].
 
موقف موسى وأخيه هارون عليهما السلام في مواجهة فرعون بالدعوة إلى الحق، موقف كبير للغاية وبحتاج إلى تهيئة، فهما أمام شخصية جمعت بين الملك والبطش والتجبر في الأرض، ومع ذا أمرهما الله تعالى بدعوته باللين الذي يؤثر على العقول ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ﴾ وعلى القلوب ﴿ أَوْ يَخْشَى ﴾.
 
توجيه: إذا كان أمر الله تعالى لنبيه عليه السلام باللين في الدعوة مع المتجبر في الأرض، فكيف بمن هو دونه؟!
 
ومن هنا ندرك أهمية اللين والرحمة والتلطف بالقول والفعل في دعوتنا وتوجيهنا التربوي والإيماني لأبنائنا ومجتمعنا، دعوة نابعة من قلوب تنعم بنعمة الهداية إلى قلوب حادت عن الفطرة السليمة، وإعادتها لفطرتها يكون باللين وحسن القول والفعل؛ لِما له من قوة التأثير على العقول والقلوب كما تقدم، ولِما للفظاظة والغلظة من أثر سلبي؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وكم هي المواقف البالغة في أثرها على أبنائنا ومن حولنا؛ لأنها تدثرت بدثار العطف ولين الجانب!
 
الوقفة السابعة:
قال تعالى: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72].
 
موقف سحرة فرعون من التحدي مع موسى عليه السلام كان متعاليًا وبلغة الواثق فهم يحلفون على انتصارهم بعزة فرعون مثلهم الأعلى آنذاك: ﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الشعراء: 44]، وبقدرة الله تعالى على هداية خلقه تحول السحرة العتاة المتكبرون إلى عباد صالحين ساجدين لله خاشعين لا يأبهون بجبروت فرعون وبطشه؛ قال ابن عباس: "كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء بررة".
 
توجيه: لا تستبعد هداية شخص أو تغيير سلوكه نحو الخير كائنًا من كان، ولا تستجلب مواقفه السابقة في السوء لتبرر تقاعسك عن بذل السبب في هدايته، ولتكن رسالتك التربوية بذل الخير وحسن الظن بالله تعالى أن يهدي المدعو، واسقِ تربيتك وتوجيهك بحسن الدعاء له، فها هم سحرة فرعون كانوا يتيهون في ضلالهم وإعراضهم بل يعارضون أهل الحق بسحرهم، فما هي إلا دقائق ويغير الإيمان نفوسهم تغييرًا جذريًّا، فتنزل الآيات في بيان ثباتهم وعمق إيمانهم، وتحولهم من دعاة ضلالة إلى دعاة حق وإيمان وثبات أمام أعتى العتاة؛ قائلين له بعدما هددهم ببطشه:
 
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72].
 
الوقفة الثامنة:
قال تعالى لموسى: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14].
 
موقف موسى من هذا التوجيه الرباني موقف التأصيل في دعوته للتوحيد، وبيان الحكمة التي خلق لأجلها العبد وهي عبادة الله تعالى، وإقامة الصلاة لأجل ذكر الله تعالى؛ قال السعدي: "وقوله: ﴿ لِذِكْرِي ﴾ اللام للتعليل؛ أي: أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي، لأن ذكره تعالى أجلُّ المقاصد، وهو عبودية القلب، وبه سعادته، فالقلب المعطل عن ذكر الله معطل عن الخير، وقد خرب كل الخراب، فشرع الله للعباد أنواع العبادات، التي المقصود منها إقامة ذكره، وخصوصًا الصلاة".
 
توجيه: ذكر الله تعالى أجل المقاصد في حياة العبد، وبه صلاحه وفلاحه، وفي صلاة العبد في اليوم والليلة إقامة لذكر الله تعالى، فالصلاة تذكره بالله، ويتعاهد فيها قراءة القرآن، والثناء على الله، ودعاءه والخضوع له، ولولا هذه النعمة لكان من الغافلين.
 
فالذكر روح للعبد، وقوة ومعين على القيام بالطاعات؛ لأن الحياة بالذكر إذا غشيت القلب استقامت الجوارح، وبالذكر تتيسر له الدعوة إلى الله تعالى، والوقوف بين يدي الجبابرة كما حصل لموسى عليه السلام؛ تأمل قوله: ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴾ [طه: 32، 33]، وقوله تعالى: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ [طه: 42].
 
الوقفة التاسعة:
قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62].
 
 
موقف موسى عليه السلام في تهدئة قومه حين خافوا من إدراك قوم فرعون لهم موقف تتجلى فيه عبادة التوكل على الله تعالى، وذلك بعدما انتهى بهم السير إلى حافة البحر فصار أمامهم، وفرعون قد أدركهم بجنوده من خلفهم، كانت كلمات موسى عليه السلام تبعث الطمأنينة المملوءة بحسن ظنه بوعد الله تعالى في قوله: ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 47]، فنقل موسى هذه المعية الربانية بقوله: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].
 
توجيه: من أبرز سمات القائد والمربي هو حسن تعلقه ويقينه بالله تعالى؛ لما لها من أثر بالغ عليه وعلى من تحت يده، لا سيما حال الأزمات والمخاوف، انظر كيف ثبتت كلمة موسى عليه السلام قومه وأثرها عليهم، وما أحوج المجتمعات اليوم لكلمات الداعية والمربي الصادقة التي تبعث في نفوسهم الطمأنينة وحسن التعلق بالله تعالى وقدرته على تبديد جميع مخاوفهم وهدايتهم لِما فيه نعيم قلوبهم وسكونها!
 
الوقفة العاشرة:
قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].
 
موقف بني إسرائيل من نعم الله تعالى الغفيرة عليهم موقف الاعتراف له بالفضل والامتنان، فالله تعالى بعدما نجاهم من فرعون وقومه عدد عليهم تتابع النعم من قوله: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴾ [طه: 80]، إلى أن جمع لهم أسباب المغفرة التامة بقوله: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].
 
توجيه: لا شك أن التوبة الصادقة من أزكى الأعمال، إلا أن سقاية القلب والجوارح بطاعة الله بعد التوبة أدعى لكثرة المغفرة وشمول التوبة وحصول ما يبتغيه كل تائب من الثبات على الهداية، ففي الآية ذكر الله تعالى مكفرات الذنوب وما يحصل به غاية المطلوب؛ وذلك بأربعة أمور:
 
١- ﴿ لِمَنْ تَابَ ﴾ التوبة.
 
2- ﴿ وَآمَنَ ﴾ الإيمان الصادق الموجب لتزكية القلوب، وانقياد الجوارح.
 
٣- ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾، بتكثير الحسنات بعد التوبة.
 
٤- ﴿ ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ بالثبات على الهداية والاستزادة منها.
 
فمن كمل هذه الأسباب الأربعة، فليُبَشَّر بمغفرة الله العامة الشاملة؛ ولهذا أتى فيه بوصف المبالغة فقال: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ ﴾.
 
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
١٠/ ١/ ١٤٤٣هـ

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢