خمرة الأحزان
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد | من جوهر الله صيغ الشاعر الغرد |
سقيت أحزان قلبي من غقيدته | فأسكر الحزن ما أغلي و أعتقد |
و الهمّ يعرف كيف اختاره كبدي | و كيف تكرم جمر اللوعة الكبد |
نعم العطاء و حسبي أنّها انغمست | تمزّق العطر من جرحي يد و يد |
يا من ألحّ على قلبي يقطّعه | ألحّ منه عليك الخمر و الشهد |
دام و يعبق صهباء و غالية | سجيّة في الأراك العطر و الملد |
عندي الوسيم من الغفران أسكبه | عطرا على كلّ من آذوا و من حقدوا |
أكبرت عن أدمعي من كان مضطهدا | و رحت أبكي لمن يطغى و يضطهد |
الحاصدون من الدنيا شماتتها | لولا الذي زرعوا بالأمس ما حصدوا |
ظمئت و الشمس من كبر و من أنف | و رحت و الشمس لا نعنو و لا نرد |
أعلّها من فؤادي بعض لوعته | فرنّح الشمس ما أشكو و ما أجد |
للشعر و الشمس هذا الكون لا عدد | يطغى على النّور في الدنيا و لا عدد |
لقد حلفنا على الجلّى و زحمتها | أن لا يفارقنا عزّ و لا صيد |
قرى الخطوب إذا ضجّت زعازعها | صبر الكريم على البأساء و الجلد |
و ضاق قوم بأشعاري و موكبها | في موكب الشمس يخزى الحقد و الرمد |
*** | |
يؤنّق الظلم من أعذاره نفرا | كأنّهم من هوان الذلّ ما وجدوا |
الشّاتمين من الأعراض ما مدحوا | و الثالبين من الطغيان ما حمدوا |
البائعين لدى الجلّى و ليّهم | و الرائجين و لولا ذلّهم كسدوا |
إذا المغانم لاحت و هي آمنة | هبّوا فإن حميت نار الوغى همدوا |
إذا تبلّج فجر النّصر بعد دجى | و قرّ بعض الضراب الصارم الفرد |
طوى الشجاع على صمت بطولته | و جرجرت ناقة و استأسدت نقد |
سكبت في الكأس أشجاني فتلك يدي | من عبء ما حملته الكأس ترتعد |
أين الذوائب من قومي و ما اقتحموا | من الفتوح و ما حلّوا و ما عقدوا |
أفدي القبور الني طاف الرجاء بها | يا للقبور غدت ترجى و تفتقد |
و لي قبور على الصحراء موحشة | فلا تزار و لا يدري بها أحد |
الحاليات و لا ماء و لا زهر | و الثاكلات و لا ثأر و لا قود |
طوت جفون الردى بيضا غطارفة | لو أنّهم ما وجدوا شمس الضحى مجدوا |
لم أعرف الحقد إلاّ في مصارعهم | و لم أجز قبلها أعذار من حقدوا |
تلك القبور و قلبي لا يضيق بها | ضاقت بزحمتها الأغوار و النجد |
مصارع الصيد من قومي فكلّ ثرى | بدر و كلّ أديم موحش أحد |
لو كان يعلم سعد الله ما ابتدعت | بي الخطوب تنزّى الفارس النجد |
و لو درى هاشم حزني لدلّلني | و ردّ عني العوادي الصيغم الحرد |
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم | و قد حننت إلى الورد الذي وردوا |
السّالكون من العلياء أخشنها | و القاحمون و غير الشمس قصدوا |
أكذّب الموت فيهم حرمة و هوى | و للأماني طريق هيّن جدد |
لعلّهم من عناء الفتح قد نزلوا | عن الصّوافن فوق الرّمل و اتّسدوا |
لعلّها غفوة الواني فإن رويت | جفونهم من لبانات الكرى نهدوا |
ترفّقي يا خطوب الدّهر و اتّئدي | لا تجفلي النّوم في أجفان من سهدوا |
و حاذري أن تثيري من مواجدهم | لم يصرعوا بالرّدى لكنّهم رقدوا |
يصونهم من حتوف النّاس مجدهم | كأنّهم من جلال المجد ما فقدوا |
طال انتظار المذاكي في مرابطها | ألا يرقّ لها فرسانها النجد |
*** | |
يا شاعرا زحم الدنيا بمنكبه | كالسيل يهدأ حينا ثمّ يطّرد |
تراقصت في لهيب من فريحته | ثلوج لبنان و الأمواج و الزبد |
حلو الشمائل لم يجهد بشاشتها | عبئ السنين و لا أزرى بها الكمد |
عرار نجد شميم من سلافته | و الحور و الدعج المخمور و الغيد |
و للهوى ألف قصر في جوانحه | و كلّ قصر له من عبقر رصد |
و في العقيق على الوادي و ضفّته | حنت و حنّت قواف كالضحى شرد |
فمن نسيب كما ناحت مطوّقة | و الفجر يسرع و الظلماء تتّئد |
ألمسكر القدّ حتّى كلّه هبف | و المسكر الريق حتّى كلّه برد |
على نهود العذارى من فرائده | عطر و في الجيد من أغزاله جيد |
و من حماس إذا ريعت عرينته | كما زمجر دون الغابة الأسد |
من كلّ مبرقة بالحقّ مرعدة | كالموج في العاصف المجنون يحتشد |
يجلجل الهول فيها فالظبى مزق | من الحديد المدمّى و القناقصد |
و الصّافنات و قد ضجّت سناكبها | و ضجّ فوق الجياد الضمّر الزرد |
*** | |
أبا الكوكب من شعر و من ولد | تقاسم النّور منك الشعر و الولد |
فمن قواف على أنغامها عبق | و من قواف على غرّاتها رأد |
بيني و بينك عهد الأوفياء فهل | أدّى المحبّون للأحباب ما وعدوا |
عهد على إهدن الخضراء .. نبعتها | و الشعر و البدر حفّاظ لما شهدوا |
بتنا صفّيين لم نسلف قديم هوى | بشاشة النور تغري كلّ من يرد |
أبا الكواكب عهدي أنت تعرفه | لا ينطوي العهد حتّى ينطوي الأبد |
*** | |
من شاعر رنّح الدنيا فما ازدحمت | إلاّ به و له الأخبار و البرد |
غضون وجه .. سطور خطفها قلم | لاه فيسرف أحيانا و يقتصد |
و قامة تحمل التسعين لا وهن | فيها على الرحلة الكبرى و لا أود |
و للعيون بريق كاد يحسده | زهو الشباب و أبراد الصبا الجدد |
و العبقريّ شباب عمره و هوى | و جذوة في زوايا قلبه ودد |
تلك الطيوف كنوز من رؤى و منى | ألروح مثرية و المملق الجسد |
لبنان يا حلم الفردوس أبدعه | على غرار ذراك الواحد الصمد |
و زاهدين بحسن أنت غرّته | لو آمنوا بجمال الله ما زهدوا |
حسن أتمّ على لبنان نعمته | محسّد و تمام النعمة الحسد |
يا جنّة الفكر يسمو كبف شاء و لا | أفق يحدّ و لا شأو و لا أحد |
يا مكرم النجم في معسول غربته | لكلّ نجم ذراك الأهل و البلد |
كأنّما الشمّ من لبنان في سفر | البدر يقرب و الغبراء تبتعد |
أرائك لنجيمات مدلّلة | ينازع النوم في أجفانها السهد |
كأنّها من ملوك الجنّ قد سحروا | و هم قيام فما همّوا و لا قعدوا |
كأنّها هجّد طال الوقوف بهم | حتّى انجلى للقلوب الواحد الأحد |
كأنّهم من جلال الله قد شدهوا | عند اللقاء فما خرّوا و لا سجدوا |
ألحسن منسجم فيه ز مختلف | و الحسن مجتمع فيه و منفرد |
جرى سنى البدر ماء في خمائله | فرحت بالموجة الزهراء أبترد |
*** | |
صانت مسوحكم الفصحى و كان لها | منكم بمحنتها الأركان و العمد |
قرّت بأديرة الرّهبان يغمرها | شوق البنين و حبّ مترف رغد |
الزاحمون بها الدنيا إذا انتهبوا | و الزاحمون بها الأخرى إذا هجدوا |
ألمنزلوها على أندى سرائرهم | كأنّها عطر ما صلّوا و ما عبدوا |
لم يخذلوا لغة القرآن أمّهم | و كيف يخذل قربى كفّه العضد |
و للأذان و للنّاقوس من قدم | عهد على الحبّ و الغفران ينعقد |
تعانقت مريم فيه و آمنة | و حنّ للرشد الإيمان و الرشد |
أبا الكواكب في الخلد مكرمة | أو نعمة كنت ترجوها و تفتقد |
تنحّت الحوار إجلالا لشاعرها | و استقبلتك عذارى شعرك الخرد |
من كلّ سمراء معسول مراشفها | و لا تلوّح بالسقيا و لا تعد |
لا تخطئ العين أنّ الأرز منبتها | و أنّ والدها قحطان أو أدد |
و نسمة من صبا لبنان أوفدها | لك الأحبّة و الأنباء و الحفد |
هل في ربى الخلد ما ينسيك أرزته | و النور و الحسن في أفيائها بدد |
أحقّ بالشوق للأوطان من نزحوا | و بالحنين لريّاها من ابتعدوا |
يزيدها ألف حسن بعد فرقتها | قلب و يفتنّ في تلوينها خلد |
هل جنّة الله عن لبنان مغنية | أستغفر الله لا كفر و لا فند |
*** | |
حملت من بردى للأرز مرقصة | فيها الصّبابة و الأشواق تحتشد |
عروبة الشام يا لبنان صافية | سمحاء كالنّور لا مكر و لا عقد |
تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد | و قد ينغّص حسن النعمة النكد |
نحن المحبّين نهواكم و نؤثركم | هل كان من دلّلوا بالقربى كمن و أدوا |
نحن الظماء و نسقي الحبّ أرزكم | ألحبّ في الشام لا نزر و لا ثمد |
*** |