بدعة الذل
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
عاصف باده الرّبى و دخان | أين منك الشّقيق و الأقحوان |
أين منك الرّبيع ينفح بالعطر | و أين السّلاف و الندمان |
بورك الفرد حين يدمي فؤاد | عبقريّ أو حين تدمي بنان |
محيت أشهر الرّبيع فلا أيّار | من دهرنا و لا نيسان |
لا شقيق النّعمان في غوطة الشام | و لا عطره و لا النعمان |
يعرف الفجر أنّ دمعي أصفى | من نداه و يعرف الريحان |
هبّ ندى الفجر كالدموع صفاء | أين منه البلوى و أين الحنان |
يعرف الطّيب أنّ دمعي أذكى | منه عطرا و تعرف الأردان.. |
تعرف الراح أنّ دمعي سلاف | و جفوني كؤوسها و الدّنان |
أنا أبكي للّيل أوحشه البدر | و للقلب هدّه الحرمان |
أنا أبكي للهمّ يأوي إلى القلب | فيقسو على الغريب المكان |
أنا أبكي لكلّ طاغ فما يستر | إلاّ الضراعة الطغيان |
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن | و للحسن فاته الإحسان |
أنا أرثي للمترفين فما يبدع | إلاّ الشّقاء و الأحزان |
و أنا المترف الأنيق و لكن | ترفي صاغ فنّه الرحمن |
أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي | لقريضي تغلّه الأوزان |
أدمعي في السّماء أنجمها | الزّهر و في البحر درّه و الجمان |
أيّها الكافرون هذي دموعي | من رسالات وحيها الإيمان |
أيّها المذنبون هذا فؤادي | من معاني جراحه الغفران |
من همومي ما ينعم العقل في | دنيا أساه و يهنأ الوجدان |
من همومي ما لا يفيق على | البعث و منها المدلّه السهران |
من همومي ما يغمر الكون بالعطر | و منها مزاهر و قيان |
و همومي معطّرات عليها | من شبابي الطّموح و الريعان |
كالغواني ، لكلّ عذراء لون | من جمال و نفحة و افتتان |
لم أضق بالهموم فلبا و هل | ضاق بشتّى عطوره البستان |
و الهموم الحسان تفعل في الأنفس | ما تفعل الغواني الحسان |
و أنا الوالد الرّحيم و أبنائي | هموم الحياة و الأشجان |
إنّ حلمي حلم النّجوم و ما | زوّق في الحلم نورها الوسنان |
و أعير الحزين سحر بياني | فيعزّيه لو يعار البيان |
عقّني الأقربون من غمرة الخطب | و عقّ اللّدات و الإخوان |
سوف يملي التاريخ عنّي ما يملي | فتخزى بظلمي الأوطان |
ينصف العبقريّ دهر فسيّان | و في أصفياؤه أم خانوا |
نعمة الشعر نعمة الشمس لا يعذر | فيها الجحود و النكران |
و أسرّ الشكوى حياء و كبرا | ربّ شكوى إسرارها إعلان |
*** | |
كيف أغضي على الهوان لجبّار | و عندي الشباب و العنفوان |
ما لسلطانهم على الحرّ حكم | كلّ نفس إباؤها سلطان |
فلكي ثابت و لا خير في الأفلاك | يملي نظامها الدوران |
لا مني اللاّئمون في الصّمت | و الصّمت على القبر لوعة لا هوان |
كيف تشدو بلابل الدّوح | للفجر و في الدّوح عاصف مرنان |
أخرستني الشّام تحفر للقبر عليها | الطيوب و الأكفان |
يا لها ميتة و من صور الموت | همود الإباء و الإذعان |
إنّه الموت لا اختلاف عليه | فعزاء بالشام يا مروان |
لم يميّز محبّبا من بغيض | في الدّجى لا تميّز الألوان |
*** | |
بدعة الذلّ حين لا يذكر الانـ | ـسان في الشام أنّه إنسان |
بدعة الذلّ أن يصاغ من الـ | ـفرد إله مهيمن ديّان |
أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة | منكم و لا انطوى البرهان |
حقّ هذي النفوس أن ترفع | الأصنام فيها و تعبد الأوثان |
*** | |
يالها دولة تعاقب فيها | كالجناة العقول و الأذهان |
أين حرّيتي فلم يبق حرّا | من جهير النّداء إلاّ الأذان |
سبّة الدّهر أن يحاسب فكر | في هواه و أن يغلّ لسان |
ألضحى و الشجاع حلفا كفاح | ما احتمى بالظّلام إلاّ جبان |
حرنوا و الشعوب في موكب السّبق | و من شيمة الهجين الحران |
يعثر الدّهر و الشعوب و تشقى | بالمناكير أمّة و زمان |
قبروا في المهود ما سلّ سيف | في رداهم و لا تعرّى سنان |
لم تنلهم يد المنيّة ظلما | و لدوا قبل أن يحين الأوان |
سائلوا زحمة العواصف لمّا | رجّت الأرض أين كنّا و كانوا |
و سلوا ظلمة السّجون فلن | ينبئ عنهم سجن و لا سجّان |
كتب المجد ما اشتهت غرز المجد | و نحن الكتاب و العنوان |
نحن تاريخ هذه الأمّة الفخم | و نحن المكان و السكّان |
شرف الشوط بالمجلّي من الخيل | و يخزي بغيره الميدان |
من غوالي دموعنا الخمر و العطر | و نعمى دمائنا الأرجوان |
قد سقينا من قلبنا الموت حتى | نبت الضرب في الرّبى و الطّعان |
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت | و يشقى سرج و يشكو عنان |
يتلوى على الحبال فنونا | أوزير في الدّست أم بهلوان ؟ |
أنسوا منه بالنّعومة و اللّين | و لا بدع إنّه أفعوان |
ليس خلف البرود إلاّ هباء | فاحكم النّاس أيّها الطيلسان |
ما على الحكم و هو مرعى و ماء | أن تعود الخماص و هي بطان |
يظلم القلب لا مروءة فيه | فهو كالقبر موحش حرّان |
كيف تسمو القلوب لولا االمروءات | و تغفو على المنى الأجفان |
حسبوا ضحكة الشعوب ارتياحا | و اللّظى حين يضحك البركان |
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها | رضى النّاس بالهوان فهانوا |
ما لشمّ الذرى تغضّ من الذلّ | فأين النسور و العقبان |
يا وزيرا يطلّ بعد وزير | و العلى في ركابه و الزّمان |
ربّ نعمى تضيع منّا إذا | زرت و لا ضجّة و لا ديدبان |
و إذا فتّ أعين النّاس دلاّ | فلمن صاغ حسنك الرّحمن |
أيّ بدع في المهرجانات يصنعن | فحقّ المتوّج المهرجان .... |
و لمن تحشد الجموع فهل زار | ولايات ملكه الخاقان |
لكم لا لقيصر أو لكسرى | رصّع التّاج و ازدهى الإيوان |
و كفى هذه الرّعيّة عزّا | أنّها في رحابكم ضيفان |
*** | |
قلبي الواحة الطروب بصحراء | جفتها الظلال و الغدران |
تتراءى الأفياء يومئن للـ | ـركب و تحنو على الونى الأفنان |
و يعلّ الهجير ما شاء من قلبي | فقلبي المعطّر الريّان |
جنّتي نعمة السكينة و الدّنيا | جحيم و الحرب حرب عوان |
جنّتي الزهو و النّعيم ففي النـ | ـفس وثوق بالله و اطمئنان |
الغوالي أديمها و اللآلي | و حصاها الياقوت و المرجان |
و لاحيق تكاد تشتفّه العين | و يروي بلمحه الظمآن |
و تمنّ كما تشاء الخيالات | و طوع الأمنيّة الإمكان |
هذه جنّتي فلا تخدع الركب | فراديس زوّرت و جنان |
إنّ للشرّ جنّة يغمز الإغراء | فيها و يضحك الشّيطان |
جنّة الشرّ لا تخادعك ريّاها | ففي كلّ أيكة ثعبان |
لا يغرّنك سحرها و رؤاها | جنّتي وحدها الرضى و الأمان |
*** | |
يا أبا طارق تحيّة شعب | زلزلته الخطوب و الحدثان |
زحف البحر بالجبال من الموج | دراكا و جرجر الطوفان |
لطف الله بالسّفينة لم يسلم | شراع و لا نجا سكّان |
تخبط اللّيل و العواصف و الرّكب | حيارى دليلهم حيران |
حولها اليمّ كالجبال و أطيا | ف الرّدى و البروق و اللّمعان |
و ظلام غمر رهيب فما | تبصر إلاّ الظنون و الآذان.... |
و عزيف للجنّ تنقله الريح | و أدّى الأمانة الترجمان |
و انطوى تحتها الجحيم فللأمواج | من حرّ ناره فوران |
سخرت بالسّفينة اللّجة | الخضراء و اختار قبره الربّان |
و اطمأنت إلى القنوط فما تلمح | حتّى بالخاطر الشطآن |