وميضٌ يغسلُ الشرفات |
فليهبط غبار مدينة الموتى على الأسوار |
أنت من التراب فعدْ إليه |
وخذْ وصيتك الأخيرة |
من صهيل الغيم في البستان |
من بوح الحمامة فوق سطح الدار |
كيف تكونني وأكونها الأزهار |
من ملأ الإناء بدمعه |
هذي الغمامة أم أنا! |
فكأنني ملئ الحديقة في اشتعالات الخريف |
وكأنها في خامتي الأولى العجينة والخميرة |
والأرض سلتنا الصغيرة |
كم نسينا على طرف الرصيفْ |
أمضي وأحمل تبغ يومي والرغيفْ |
قفْ يا غريب الدار، حدقْ |
زهرتي محنية فوق الأصيصْ |
وتشمني بتويجها العالي |
تقدم أيها الموت الرخيصْ |
وانشرْ على الأحواض أجنحة الرحيلْ |
والآن دعني لحظة |
فوق السياج شذاً أسيلْ |
الأفق مباحٌ |
والأرض مباحه |
والمجنون كهيئة طيرٍ |
مدّ جناحه |
أين يطيرُ وأين يسيرْ |
والفسحة غير متاحهْ |
معصوب الروح أتى |
وافترش الساحة |
في المخلاة رغيفان وتفاحةْ |
وقصيدة شعر |
تنـزف في الليل جراحه |
ارتوت الصحراء فشب على عجلٍ |
قصبُ الواحةْ |
أأنا بوح الناي |
أم حنجرة المجنون الصدّاحة(( |
فكأن لي في الأرض متسعٌ |
أعينني كي أقوم إذن وأدفن بذرتي |
رعدٌ يحكُ رحيقها |
تفاحة المجنون ضاحكة |
لقد جُنت شوارعنا |
ومن حملهم على هذا الدمار |
ومن يرمم ما تبقى، زهرة الحمقى |
بكامل طيشها وبهائها |
مطرٌ تدافع في عراء الروح |
قلتُ إذن توقف أيها المجنون، ليس لدي متسع |
أحاول أن أرمم جرة الفخّار |
بئري بعد أن وصلوا تسمم ماؤها |
سرقوا من القطرات زمزمها الجليل |
لا ماء من شهوات " دفنا" سوف ينبجسُ |
إلا بقية دمعة ضنت بها دهراً |
لتذرفها على الشهداء في العرس الأخير |
والنارُ فاتحة على القتلى |
وخاتمه بلا شفتين تتلى |
كلما اشتعلتْ بحقل الثلج سنبلة الشعير |
)أحبكُ " دفنّا " |
و "دفنا " الغزالةُ والناي |
" دفنا " تحددُ لي ما أرى |
فرأيتُ الذي لا يراه سواي |
رأيتُ سيولاً |
من الصور النازفة |
في جداول رعشتها |
ومرايا صباي |
رأيت دمىً خائفة |
أن تعود لخاماتها الأولية |
في نهوند القرنفل والناي |
" دفنا " قفي وانظري |
من وميض دمي |
من خرير الشذى في فمي |
لن ترين سواك |
ولن تلمحي سواي( |
لا عشب في الواد المقدس |
لا أرى إلا الحصى في الضفة الأخرى |
ومن بلع الخرافة ثم صدّقها |
وأين النهر إن وجد الخريرْ |
هذي الخطى للذئب أعرفها |
وأعرف أين ولّى |
من عواء الجرحِ في برية الجسدِ النحيلْ |
ماذا سيسقط من علٍ |
إني أرى الأشياء واقفة |
على قدمين من ورقٍ مجعدْ |
والخريفُ مضى على عجلٍ |
ليرجعَ عن تداعيها المجددْ |
والشتاء آتى على خبلٍ |
ستغسل منْ وهذا البيت أسودْ |
منْ سوف يسقطُ، منْ |
إن الطغاة فقطْ |
أحلى وأجمل من سقطْ |
بدل القذائف فوق غابات النخيلْ |
)أرى ما أشاء لمن ذهبوا |
ومن جلسوا |
في ممر الصنوبر تحت الترابْ |
أرانا على أهبة العيش عشقاً |
ونصعدُ من حجرٍ في السفوحْ |
نعدُّ خيول المدينة قبل الذهاب |
وبعد الإيابْ |
وماذا تبقّى من الروح |
ماذا تبقّى |
رؤوس تدلتْ عن السرجْ |
والعمرُ زهرةُ ثلجْ |
بحقل جروحْ |
سترجع كل الجيادْ |
إلى مستقر الصهيلْ |
ورف الحمامْ |
إلى مستهل الهديلْ |
أرى نقطة الضوء |
عالية في البعيدْ |
سأربطها ثم أجذبها |
بخيوط النشيدْ |
أراها تحاولُ |
والمستقر الوحيد |
ترابُ البلادْ |
ترابُ البلادْ |
ترابُ البلادْ( |
من يحمل التابوت. هل يصلون روما |
من بلاد الزيت والزيتون، أين يتممون صلاتهم |
والشمس في الوادي المقدسْ |
لم تصلْ قوسَ المغيبْ |
فخذوا الصلاة |
خذوا عواءَ ضلوعكم |
وخذوا فحيحَ خشوعكم |
ولربما يصل القتيلْ |
أنتم بدأتم وانتهتْ فينا هزائمكم |
فعودوا إن أردتم |
مرة أخرى إلى حرب الصليبْ |
من ها هنا سترون دمع الأمهاتَ |
وأسرَّة الزوجات، وردَ العاشقات |
وترسلون مع الجنازة |
دمعة أخرى على الأحياء |
إن وصلوا المدينة فوقَ قنطرة الهديلْ |
سترون أولنا نهاراً مقبلاً |
وترون آخركم ركاماً مهملاً |
عودوا إذا شئتم لمغفرة الكهانة |
بعد أن تعلو ملامحكم جداراً ساقطاً |
والأرض تخرجُ من قداستها |
وتهبط تحت أرجلكم بلا أبنائها |
وسيصعدون على سلالم موتكم |
والميت يصعدُ هابطاً |
والأرض تخرج من قميص فصولها |
هذا الربيع بلا أبٍ |
لا أم سوف تهشُ سندسه المريضَ |
عن الحقولِ |
ومن يعيدُ بهاءها العربي في الزمن البخيلْ |
(رأيتُ يداً |
تنحتُ الحزن حتى اكتملْ |
ما الذي يتساقط غير الغبار |
عن الجسد المتهالكْ |
أرى وطناً في الهزيع مضاءً |
لمن وصلوا، كيف لي أن أصلْ |
وهذا الغبار يسدُ المسالكْ |
لنا الحق في شمس هذا النهارْ |
لنا أن نعلق غيمتنا |
في ممر الندى |
كي نفيض رذاذاً بكل مدى |
ولها الحق أن تستدل علينا |
زهور البراري |
ورف الحجلْ) |
من يقرعُ الجرسَ المعلقَ في الأعالي |
في هديل حمامةٍ |
وعلى جناحِ غمامةٍ |
من أيها المجنون ينحتُ رؤية فوقَ المكان |
يعيدُ ترتيب الفصولْ |
وينسقُ الفوضى بمصطبةِ الحقولْ |
فاصدحْ بما ملكته فيك يدُ البصيرة |
إني أرى ما لم يُرى |
هذا مكاني لمْ أجدْ إلاّ هنا حجراً |
تحكَ به جناحيها فراشاتي الصغيرة |
هذا مكانك والوقوف به صلاةْ |
فارفع صلاتك كل ثانية |
وفي كل اتجاه |
إني أرى ما لم يُرى فوق البسيطة |
ورأيت ثعلب وابن آوى تحت دالية |
يعدّون الخريطة |
ضاقتْ على جسدي النحيلْ |
(إلى أين تحملني |
يا جناحي المهيضْ |
سكنتُ الجهات جميعاً |
فلم تحتملني ولم أحتملها |
أنا الضدُ وهي النقيضْ |
سأشعلُ قنديلُ روحيْ |
إلى أن تذوب الذبالة بين أصابعكم |
فأعلنوا أيها الأصدقاء انطفائيْ |
وقولي بأني مريضْ |
مضاءٌ أنا بجنونيْ |
ولي أن أنام على جمرة |
كيْ تَمدَّ دمي بالوميضْ) |
ورأيت "دفنا " في حديقة جسمها |
كانت تحاول جهدها |
دفع الأنوثة عن طريق لصوصها |
ورأيت حلمتها تنقط |
من ثقوب قميصها |
لا شيء أحمله لألتقط الرذاذ |
"جيوب بنطالي ممزقة |
وداعاً للجمال" |
فلم أصل أرض الجزيرة |
والقادمون من الشمال |
دخلوا شراشف مهدها |
سرقوا من النهدين رضعتي الأخيرة |