.. هذه الذرةُ كم تحملُ في العالم سراً! |
قف لديها وامتزج في ذاتها عمقاً وغورا |
وانطلق في جوِّها المملوءِ إيمانا وبرّا |
وتنقَّلْ بين كبرى في الذراريِّ وصُغرى |
ترَ كلَّ الكون لا يفتر تسبيحاً وذكرا |
وانتش الزهرةَ, والزهرة كم تحمل عطرا |
نديتْ واستوثقتْ في الأرض إغراقاً وجذرا |
وتعرتْ عن طرير خضِلٍ يفتأ نضرا |
سلْ هزارَ الحقل من أنبتَهُ وردا وزهرا |
وسلِ الوردةَ من أودَعَها طيباً ونشرا |
تنظرِ الروحَ وتسمعْ بين أعماقِكَ أمرا |
* * * |
الوجودُ الحقُّ ما أوسع في النفس مداهْ |
والكونُ المحضُ ما أوثق بالروح عُراهُ |
كلُّ ما في الكون يمشي في حناياه الإلهْ |
هذه النملة في رقتها رجعُ صداهْ |
هو يحيا في حواشيها وتحيا في ثراهْ |
وهي إن أسلمتِ الروحَ تلقّتْها يداهْ |
لم تمت فيها حياةُ اللهِ إن كنْتَ تراهْ |
* * * |
أنا وحدي كنت استجلي من العالَمِ همسَهْ |
اسمع الخطرة في الذر وأستبطنُ حسَّهْ |
واضطرابُ النور في خفْقتِهِ أسمعُ جرسَهْ |
وأرى عيدَ فتى الوردِ واستقبلُ عرسَهْ |
وانفعالُ الكرمِ في فقعتِهِ أشهدُ غرسَهْ |
ربِّ سبحانَك! إن الكونَ لا يقدر نفسَهْ |
صغْتَ من نارِكَ جِنِّيَّهُ ومن نورِك إنْسَهْ |
* * * |
ربِّ في الإشراقةِ الأولى على طينة آدمْ |
أممٌ تزخرُ في الغيبِ وفي الطينة عالَمْ |
ونفوسٌ تزحم الماءَ وأرواحٌ تحاومْ |
سبَّحَ الخلقُ وسبّحْتُ وآمنْتُ وآمنْ |
وتسللْتُ من الغيبِ وآذنْتُ وآذنْ |
ومشى الدهرُ دراكا ربذ الخطو إلى منْ...? |
* * * |
في تجلياتك الكبرى وفي مظهر ذاتِكَ |
والجلا الزاخر الفياضُ من بعض صفاتِكْ |
والحنانُ المشرقُ الوضاحُ من فيضِ حياتكْ |
والكمالُ الأعظم الأعلى وأسمى سبحاتكْ |
قد تعبدتُكَ زُلفى ذائداً عن حُرماتِكْ |
فَنِيتْ نفسي وأفرغْتُ بها في صلواتِكْ |
* * * |
ثم ماذا جد من بعد خلوصي وصفائي |
أظلمت روحي ما عدت أري ما أنا راء |
أيهذا العثير الغائم في صحو سمائي |
للمنايا السود آمالي وللموت رجائي |
آه يا موت آه يا يوم قضائي |
قف تزود أيها الجبارمن زادي ومائي |
واقترب إن فؤادي مثقل بالبرحاء |
*** |
يا نعيما مشرف الصفحة يساقط دوني |
نضرت في قربه نفسي وزايلت غضوني |
فمشت قائلة الشك إلي فجر يقيني |
قضت اللذة فاسترجعها لمح ظنوني |
واسترد النعمة الكبري من الدهر حنيني |
من تري استأثر باللذة واستبقي جنوني؟ |
*** |
أذني لا ينفد اليوم بها غير العويل |
نظري يقصر عن كل دقيق وجليل |
غاب عن نفسي إشراقك والفجر الجميل |
واستحال الماء فاستحجر في كل مسيل |
رجع اللحن الي أتاره بعد قليل |
واختفي بين ظلام المزهر الكل العليل |