الأغوار .. والقمم
العوالي تَحِنُّ للأَغْوارِ | والدَّياجى تُطيحُ بالأَنْوارِ! |
فَصَباحي يَطوِي الخُطى لرَباحٍ | ومَسائي يَطْوِي الخطى لِخَسَارِ! |
حيَّرَتْني نَفْسي فما أعْرِفُ ما تَحْتَوِيهِ مِن أَسْرارِ! | |
أَلِرُشْدٍ تَميِلُ. أَمْ لِضَلالٍ | ولِنَفْعٍ تَمِيلُ أَمْ لِضِرارِ؟! |
مِن صِبايَ الغَرِيرِ كنْتُ أُعانِي | قَلَقاً مِن شُذُوذِها وعِثاري! |
* * * | |
يا لَ نَفْسي من الضلالة والرشدِ | ومن صولتي بها وانْدِحاري! |
إنَّ حَوْلي مِن الأَنام كَثيرينَ | أَراهُمْ في نَشْوَةٍ وافْتِرارِ! |
ما يُبالُونَ ما أَصابُوا مِن الرُّشْدِ أو الغَيِّ.. في دُجًى أَوْ نَهارِ! | |
ليْتَ لي مِن خَلائِقِ القَوْمِ ما | يَدْفَعُ عَنِّي غَوائِلَ الأَفْكارِ! |
أَقْلَقَتْ مَضْجَعي.. فحالفني | السُّهْدُ. ومالي عن هَوْلِها مِن فِرارِ! |
كِشفارٍ تُدْمي وتُمْعِنُ في السَّطْوِ | وهل نَامَ مُثْخَنٌ بالشِّفارِ؟! |
يا ضَمِيري وأّنْتَ تُمْعِنُ في اللَّوْمِ | وتُشْقي الجَريحَ بالأَفْكارِ! |
أَتُراني أَطَقْتُ أَنْ أَسْلُكَ الدَّرْبَ قَوِيماً.. كَمَعْشَرِ الأَبْرارِ؟! | |
ثُمَّ كابَرْتُ واجْتَوَيْتُ وأَثَرْتَ اعْوِجاجي.. كَمَعْشرِ الفُجَّارِ؟! | |
لا. فَما اسْطَعْتُ عن عَمايَ انْحِرافاً | أَوْ أَطَقْتُ النَّجاةَ مِن إعْصارِي! |
لَمَ لَمْ تَأْسَ يا خَدِيني على | الآبِقِ لَمْ تَحْمِهِ مِن الأَوْزارِ؟! |
بِالَّذي فيكَ من شَعاعٍ. ومن رُشْدٍ | يُضيئانِ دَرْبَهُ كالمَنارِ؟! |
أَنْتَ مِثْلي الخَلِيقُ بالشَّجْوِ واللَّوْمِ. فَما ذُرْتَني عن الأَخْطارِ! | |
* * * | |
يا شَقائي الذي يُمَزِّقُ رُوحي | لَسْتُ أَشْكُو مِن خَيْبَتي واعتِساري! |
فلقد كُنْتُ أَسْتَبِيحُ حِمى الطُّهْرِ | كَأَنِّي كَلْبٌ ثَوى في وجارِ! |
وكَأَنِّي أَسِيرُ لِلْعالَمِ الأّحْمَرِ رَكْضاً كأَنَّني في قِطارِ..! | |
ثم أَقْعَيْتُ مِن وِنى.. وتأمَّلْتُ حياتي.. فقلت وَاهاً لعاري! | |
وحَوَالِيَّ ثُلَّةٌ عَرَفوا الدَّرْبَ سَويّاً.. فَلَيْلُهُمُ كالنَّهارِ!! | |
لَفَّهُمْ قَبْلُ ظُلُمَةٌ واعْتِكارٌ | فَتَناءَوْا عن ظُلْمَةٍ واعْتِكارِ! |
وأَنا ما أَزالُ في عُتْمَةِ اللَّيْلِ | فَمَن لي مِنْها بِقُرْبِ انْحِسارِ! |
رُدَّني مِثْلَهُمْ عن الغي.. يا رب | فإِنِّي أَوَدُّ رَدَّ اعْتِباري! |
فلقد ضِقْتُ بالمجُونِ وبَلْواها | وأَدْمى رِجْلَيَّ طُولُ عِثارِي! |
وانْكِساري أَخْنى عَلَيَّ وأَشْقى | فَأَذِقْني لَذَاذَةَ الانْتِصارِ! |
يا سَنى الرُّوح.. ما أَراكَ سِوى الحاني فَأَطْلِقْ مِن الأَثامِ إساري! | |
كنْتَ لِي الذُّخْرَ في الشَّدائِدِ والعَوْنَ.. فَيا طَالَما فَكَكْتِ حِصارِي! | |
ما تَخَلَّيْتَ.. والنَّوائِبُ تَتْرى والأَفَاعِي تُنُوشُني.. والضَّوارِي! | |
وأنا اليَوْمَ بَيْنَها قد تَعَرَّيْتُ | وقد لَوَّثَتْ دِمائي إزَارِي! |
لا تَذَرْني فَرْداً. ولَسْتُ بِفَرْدٍ.. وأنا مِنْكَ بَيْنَ أَهْلي ودَاري! | |
* * * | |
أَيُّهَذا النُّورُ الذي يَتَغَشَّانِي | تَبارَكْتَ مِن ولِيٍّ وجَارِ! |
كُنْتُ قَفْراً فَعُدْتُ رَوْضاً نَضِيراً | بِزُهُورٍ شَذِيَّة.. وثِمارِ! |
راحَ عَنْه اصْفِرارُهُ فَزَها الرَّوْضُ | بِخُلْوٍ مِن سَلْسَلٍ واخْضِرارِ! |