غيوم |
غيوم، يا غيوم |
يا صُعداء الحالمين وراء النوافذ |
غيوم، يا غيوم |
علِّميني فرَحَ الزوال! |
* * * |
هل يحِبّ الرجل ليبكي أم ليفرح، |
وهل يعانق لينتهي أم ليبدأ؟ |
لا أسألُ لأُجاب، بل لأصرخ في سجون المعرفة. |
ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم |
ولا أن يظفر بدون جِزْية. |
لا أعرف من قسَّم هذه الأقدار، ومع هذا فإن قَدَري أن ألعب ضدّها. |
هـلـمّـــي يا ليّنتي وقاسيتي، |
يا وجهَ وجوه المرأة الواحدة، |
يا خرافةَ هذياني، |
يا سلطانةَ الخيال وفريستَه، |
يا مسابِقةَ الشعور والعدد، |
هلمّي الى الثواني المختلجة نسرق ما ليس لأحد سوانا. |
وهْمُكِ أطيبُ من الحياة وسرابُكِ أقوى من الموت. |
* * * |
إسألني يا الله ماذا تريد أن تعرف؟ |
أنا أقول لك: |
كلُّ اللعنات تغسلها أعجوبة اللقاء! |
وجمْرُ عينيكِ يا حبيبتي يُعانق شياطيني. |
تُنزلينني الى ما وراء الماء |
وتُصعدينني أعلى من الحريّة. |
أُغمض عليكِ عمري وقمري فلا تخونني أحلام. |
يا نبعَ الغابات الداخليّة |
يا نعجةَ ذئبي الكاسرة |
مَن يخاف على الحياة وملاكُ الرغبةِ ساهرٌ يَضحك؟ |
لا يولد كلَّ يوم أحدٌ في العالم |
لا يولد غيرُ عيونٍ تفتِنُ العيون! |
نظرةٌ واحدة |
نظرة |
وعيناكِ الحاملتان سلامَ الخطيئة |
تمحوان ذاكرة الخوف |
وتُسيّجان سهولة الحصول بزوبعة السهولة! |
* * * |
أيّتها الغلافُ الحليبيُّ للقوَّة |
يا ظاهرَ البحر وخَفيّ القمر |
يا طُمأنينةَ الغَرَق |
يا تعادُلَ حلمي وحركاتكِ وخيبتي وادهاشكِ |
يا فوحَ الجذورِ الممسكة بزمام الأرض، |
أيّتها الصغيرةُ المحمَّلةُ عبءَ التعويض عن الموت، |
عن الحياة وعن الموت، |
أيّتها المحجَّبةُ بعُريها، |
أيّتها الملتبسةُ مع عطرها |
أيّتها الملتبسُ عطرُها مع ضالّتي |
أيّتها الملتبسةُ مع ظلّها |
أيّتها الملتبسُ ظلَّها مع جسدي |
أيّتها الملتبسةُ مع شَعرها |
أيّتها الملتبسُ شَعرُها مع أجنحتي |
أيّتها الملتبسةُ مع مجونها |
أيّتها الملتبسُ مجونُها مع حريّتي |
أيّتها الملتبسةُ مع عذوبتها |
أيّتها الملتبسةُ عذوبتُها مع شراهتي |
أيّتها الملتبسةُ مع صوتها |
أيّتها الملتبسُ صوتُها مع نومي |
أيّتها الملتبسةُ مع ثوبها |
أيّتها الملتبسُ ثوبُها مع حنيني |
أيّتها الملتبسةُ مع مرحها |
أيّتها الملتبسُ مرحُها مع حَسَدي |
أيّتها الملتبسةُ مع فخذيها |
أيّتها الملتبسة ُفخذاها مع تجدّدي |
أيّتها الملتبسةُ مع صمتها |
أيّتها الملتبسُ صمتُها مع انتظاري |
أيّتها الملتبسةُ مع صبرها |
أيّتها الملتبسُ صبرُها مع بلادي |
أيّتها الملتبسةُ مع أشكالها |
أيّتها الملتبسةُ أشكالُها مع روحي |
أيّتها الملتبسةُ مع نصف عُريها |
أيّتها الملتبسُ نصفُ عريها مع أملي |
مع أمل دوام الحُمّى، |
أيّتها الَتي أُغمضُ عليها إرادتي واستسلامي |
لمْ تقولي إننا غريبان |
لأنكِ تعرفين كم لنا توائم |
في كلّ من يذهب وراء عينيه... |
* * * |
وأخافكِ! |
كيف لرجلٍ أن يعشق مُخيفه؟ |
من يدفع بالدافىء الى الصقيع وبالمستظلّ الى الهاجرة؟ |
من يقذف بالصغير الى الخارج ويحرم الرضيع التهامَ أمّه؟ |
ولِمَ يحلُّ وقتُ السوء ولِمَ يُنهَش الصدر؟ |
ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم ولا أن يظفر بدون جزية، |
فليكن للقَدَر حكمته، ستكون لي حكمتي |
وليكن للقَدَر قضاؤه، ستكون لي رحمتي. |
لم يخلّصنا يا حبيبتي إلاّ الجنون |
شبَكتُكِ ألْهَتني عن الحياة |
ولهوُكِ حماني، |
قيودُ يديكِ طوّقتْ قلبي بالغناء |
وجمرُ عينيكِ عانق شياطيني. |
* * * |
لنفسي لونُ عيونِ قتلى الذات |
المدمَّرين وراءَ بابٍ ما |
ابتسامةٍ ما. |
خيانةٌ دوماً، خيانةٌ لا تُطاق |
أفدحُ من أيِّ فقْد، |
خيانةٌ تسلبكَ عمركَ |
تسلبكَ أمّكَ وأباك |
تسلبكَ أرضكَ وسماءك، |
خيانةٌ يا إلهي أكبرُ من حضنكَ، |
ولا أحد يستطيع شيئاً! |
لا أحد يستطيع شيئاً! |
* * * |
في وقت من الأوقات لم يكن أحد. |
كان الهواءُ يتنفّس من الأغصان |
والماء يترك الدنيا وراءه. |
كانت الأصوات والأشكال أركاناً للحلم، |
ولم يكن أحد. |
لم يكن أحد إلاّ وله أجنحة. |
وما كان لزومٌ للتخفّي |
ولا للحبّ |
ولا للقتل. |
كان الجميعُ ولم يكن أحد. |
أحدٌ لم يكن كاسراً. |
كانت الأمُّ فوق الجميع |
وكان الولد بأجنحته. |
وصاعقاً |
أعلن الألمُ المميت أنه هنا، |
في الداخل الليّن، ولم يكن يراه أحد. |
وانبرى يَبْري |
ثم يَهيل التراب على الوجه |
على العينين |
على الغمامة التميمة. |
ولم يبقَ من تلك الكروم |
إلاّ ذكرى أستعيدُها أو تستعيدُني، |
تارةً أقتُلُ وطوراً أُقتَل |
والشرُّ إمّا في ظهري وإما في قلبي!... |
* * * |
رفعتُ قبضتي في وجه السماء |
لعنتُ وجدّفت |
ولكنْ قلْ لي كيف أنتهي |
من جحيم السماء بين ضلوعي!؟ |
* * * |
لم يُخلّصنا يا حبيبتي إلاّ الجنون |
حين طفرنا الى الضياع النضير |
والتقينا ظلالنا |
فأضاءتنا عتماتُنا |
وصارت أحضانُنا موجاً للرياح. |
* * * |
الشاعر هو المتوحّش ليحمي طفولتنا |
الملحّن هو الأصمّ لكي يُسمِع |
المصوّر هو الأعمى لكي يُري |
الراقص هو المتجمّد لكي نطير. |
لا يَحضر إلاّ ما يغيب |
ولا يغيب إلاّ ما يُحضِر. |
فلأغبْ في شرود المساء |
فلتبتلعني هاويةُ عينيّ!... |
* * * |
أيُّ صلاةٍ تُنجّي؟ |
كلُّ صلاةٍ تُنَجّي! |
والرغبة صلاةُ دمِ الروح |
الرغبة وجه الله فوق مجهولَين |
ونداءُ المجهولِ أن يُعطى ويـظــلّ مجهولاً. |
الرغبةُ نداءُ الفريسة للفريسة |
نداءُ الصيّاد للصيّاد |
نداءُ الجلاّد للجلاّد |
الرغبةُ صلاةُ دمِ الروح |
فَرَسُها الفرسُ المجنّحة |
وجناحاها |
جناحا خلاصٍ في قبضة اليد. |
* * * |
غيومُ، يا غيوم |
رسمتُ فوق الفراغ قوسَ غمامي |
قوسَ غمامنا أيّها الحبّ |
قوسَ غمام المعجزة اليوميّة. |
غيوم، يا غيوم |
يا هودجَ الأرواح |
جسدي يمشي وراءكِ، يمشي أمامكِ، |
يتوارى فيكِ. |
غيوم، يا غيوم |
باركي الملعونَ السائرَ حتّى النهاية |
باركينيِ |
علِّميني فَرَحَ الزوال... |