الإهداء إلى أخي محمد الدرة |
ذات ليلٍ بينما تنعكس النار على مرآة عينيَّ |
وقد أوقدتها من شدة الخوف من الغدْ |
بدأ النوم دبيباً ثم أزبدْ |
وتخدَّرتُ إلى أن جاءني طيفُ محمدْ |
واقفاً في غيمة خضراء من ظلٍّ بعيدٍ |
راح ينمو فيه، عيناه رمت برقاً شفيفاً |
وعلى الخدّ المورّدْ |
تلعب النسمة في غرّتهِ، |
يبكي فتجري فوق كفيه دموعٌ وهو مبلول الرداءْ |
قتلوني يا أبي |
لم أكن في حظ يوسفْ |
لم يكونوا إخوتي كي يرحمونْ |
حفروا بئراٍ بقلبي، هذه المرة كانوا أقوياءْ |
هذه المرة كان البئر أعمقْ |
وأنا لست نبيّاً ! |
لم يجيئوك بدمٍ كذبٍ |
هذه المرة كان الدمُ أصدقْ |
قتلوني يا أبي |
لمعت نيّتهم في ذهبي |
قتلوا السيارة الآتين في وعثائهم كي ينقذونْ |
منعوا الرحلة من مصر إلى البئرْ |
ومن البئر إلى مصرْ |
منعوا عنّي الهواءْ |
هذه المرة كانوا أقوياءْ |
هذه المرة ليست حيلة، ما اتهموا |
الذئبَ ولا قدّوا قميصي وأنا ألعبُ بالرّملِ |
لتلقيني أياديهم إلى الجبِّ |
ولم يأتوا عشاءً يعصرون الماءَ من أحجارهم عصراً |
ومن قمصانهم لم ينفضوا أغنيةً عالقةً من هدبي. |
قتلوني يا أبي |
عندما ظنوا بأني لن أموتْ |
ألأنَّ الأرض لا تحملهم مثلي و حلمي |
ليس مفهوماً وقتلي ليس صعباً وأنا أرمي |
بجذعي وسط الريح إلى الحقلِ، |
أبي روحي لها لمستها في كل شيءٍ |
فعلى أشجارهم ظلي على غيمتهم شكلي، |
على بصمتهم اسمي، على الخبزِ |
وفي رائحة الفلِّ وفي قهوتهم في حرثهم |
في نسلهم في كل شيء تركتَ روحي |
لهم رائحة الدمِ على كل حساءْ |
يا أبي هم ثقبوا غيمتنا هم سرقوا الأعناب من كمّي |
وهم من دفشوني عندما كنت أرى في النهر وجهي |
"ما الذي يبقى له من وجه أمي بعد عشرين خريفا؟" |
هم يغارون من السحر الذي فيَّ الذي في وطني |
هم من رموني بالسكاكين نهار السبتِ |
هم من ذبحوا ماعزتي. يا أبتِ الأيام دارت |
ذبحوني هذه المرة عصفوراً بعشٍّ... |
لم يكن لي حجر في القلب لم أقذف به طائرهم |
لم يترسب حقدهم فيَّ بما يكفي ولم أكتب سوى |
اسمي على حائط بيتي |
فإذا هم شاهدوني زعموا إني أغني بفلسطين الأغاني |
وبأني بلدٌ وحدي وأني وطنٌ يمشي |
وأني غيمةُ تمطر ثوراتٍ وحقداً |
ألهذا قتلوني ألأني أفهم الأرض التي تحملهم اكثر منهم |
ألأني أرد النبع ظُبَيَّاً |
لا وحوش الغاب تؤذيني ولا باقي الظباءْ |
قتلوني قبل أن تشرح لي عن وطنِ |
حبةُ زيتونٍ بفمِّي لم احدد طعمها تحت لساني |
لغة لم يبقَ منها غير حرفين وفعلٌ لأغنيها وحيداً |
عائداً من بيت خالي في المساءْ |
قلت لي: "حافظ على النبعِ الذي |
تحمله فيك فيوماً ترتوي منهُ بذورٌ طالما |
استسقت وقفرٌ طالما اشتاقَ لأعشابٍ وماءْ" |
أيُّ نبعٍ يا أبي فيَّ وأيُّ الاتجاهات التي قلتَ: |
"ورثناها عن الأجداد كي نحفظ سرَّ |
الأرض، لا يعرفها إلا بنوها البسطاءْ" |
لم تجبني حينما قلت: "أفي الوقت مكانٌ |
نبدأ الهجرة فينا، كالهلاليين و البدو القدامى" |
لم تجبني إنما أغلقت شبَّاك الكلام الحرِّ |
في قلبي، أبي أنتَ الذي قلت كثيراً: |
"كلما نمشي على الدرب رأينا جسرنا أوضح من قبل" |
أبي قل لي لماذا نقفُ الآن إذن؟! لن يقف الدمُ |
على أية حال ٍ ، لن نرى الوردَ ينادينا لكي نقطفه ، |
لن نعرف الوقتَ إذا لم نسبق الساعة في دورتها. |
قل لي لماذا نقف الآن إذن؟! قد قلتَ لي: |
"ادرس كلامي جيداً واحفظ مكان القمر الأول |
في الشهر ولا تنسَ كلام الله إن شاهدتهم |
انظر لعينيهم ترى الخوفَ بهم يعوي" |
أبي هل نعرف الظلَّ كما يعرفنا |
يبقى دَمِي فيه شريطاً قطنه |
يبصرُهُ العميانُ في الليل وقد ناموا |
على مصطبة الذكرى لهم ظهرٌ إلى الأرضِ وأنفٌ للسماءْ |
يا أبي سلِّم على التينة في الصيف و سلِّم لي على أمي |
إذا قمت مع الفجر تصلي إنني أشربُ من عينيكَ حلمي |
إنني أصعد عطراً في دعاء الأنبياءْ |
قتلوني يا أبي |
كانت الروح على موعدها... |
تسألُ من هذا الذي من يدها... |
يأخُذٌها منّي إلى فوقْ ؟! |
لفّت الروحُ بجسمي لفَّتينْ |
ورأيتُ النورَ يخبو مرتينْ |
اكتشفتُ البردَ يغزو جسدي، كتَّفني في يرقةْ |
خنقتني قبضة الطوقْ |
حلقاتٍ |
حلقاتٍ حلقاتٍ |
حلقاتٍ |
واعتراني يا أبي شوقْ |
قبل أن يحملني الضوءُ لأمي قبلة محترقةْ |
قتلوني يا أبي |
وخيالي وحده يبقى حبيس الظلِّ، |
يبقى رهن شاشات الفضائياتِ |
و الفوتوغرافيَّات التي تفضحني في كل وقتٍ |
لألاقي كلما عدت لها نفس مصيري نفس نفسي |
خائفاً أبكي. ظلامٌ ثم نورٌ ثم غيمٌ فأزيزٌ |
ثم نورٌ ثم جرحٌ، وجه أمي، فظلامٌ "لن أموت الآنَ" |
ثقبٌ داخل القلب ظلامٌ من جديدٍ فظلامٌ فظلامٌ مستمرٌّ |
فسكونٌ سرمديٌّ وعراءْ |