أنا أحبُّ بابا |
أنا أحبُّ ماما |
ألعب في قلبي و احفظ الأناشيدْ |
أنشودتي الحلوة في البيتْ |
"عندك بيتٌ |
عندي بيتْ" |
عروستي ضاعت مع الحربْ |
أحفظُ أسماء النجومْ |
أرسم أشكال الغيومْ |
هذي الغيوم كالخرافْ |
وهذه الغيمة أرنبْ |
أتعب قبل النوم أتعبْ |
أحب أختي هي لا تتعب مثلي فهي نامتْ عند ربي |
أنا أحبُّ أن أنامَ عند ربي و أبي يغضب مني |
لو تكلمتُ عن الموتِ وعن أختي سميةْ |
يقول لي: "عيبٌ عليكِ إن تكلمتِ بمن ليس هنا" |
أختي هنا ! |
أمي تقول دائماً: "أختكِ في قلبي هنا" |
أمي تحبُّنا جميعاً وهي تبكي عندما أطلبُ ألعابَ سميَّةْ |
وهي التي تقولُ دائماً لنا: "لا تحرموا الأطفال من ألعابكم!" |
ألعابُ أختي لم تزلْ جديدةً، ثيابُها نظيفةٌ معطرةْ |
سريرُها بجانبي، أقلامها المبعثرةْ |
غرفتنا بيضاءَ من صورتِها المشغولةِ الدورةْ |
وصوتها: "عندك بيتٌ |
عندي بيتْ" |
في كلِّ بيتْ |
سمعتُ مرة أبي يقول لي: "الأرض لنا! |
وهذه القطة يا بنتي لنا! |
وذلك السورُ على البيتِ لنا أيضاً فهل |
تنسينَ من أنتِ وهل تنسينَ من نحن هنا!" |
يقول إنَّ الأرضَ لي لكنه يغضب لو ألعب بالرملِ |
ولو احفر أنفاقاً بها |
يقول: "ازرعي بها شيئاً مفيداً لفلسطينْ" |
سمعته يقول مرةً لأمي: "لا تخافي إنَّ ربي معنا" |
سألت أمي بعدها مِمَّ تخافينْ |
فجاوبتني: "إنني أخافُ أن يؤذوا سميةْ!" |
دعوت ربي أمس أن نبقى بنفس البيتِ |
قد ترجع في الليل سميةْ |
قلتُ لأمي: "قد تعودْ |
إن سكن البيتَ سوانا عندما ترجع قد |
تحسبُ أنَّا قدْ تغيرنا و أصبحنا يهودْ |
إن لم تجد ألعابها إنْ لم تجد أسماءنا مكتوبةً في العشبِ |
أو إنْ لم تجد آثار تسبيحٍ وآثار سجودْ" |
ابتسمتْ لي ثمَّ قالت اذهبي و ساعدي |
أباك في النقلِ فلما عدت شفتُ الدمعَ |
في الغرفة مسكوباً كزيتْ |
رأيتُ أمي قبل أن نركب في رحلتنا |
تحفر في تينتنا |
سمعتُها تقول: "من قلبي إلى روح سميةْ |
أترك في البيت لك الروح و أيامي الهنيَّة |
إن عدت للبيت فلا تبكي فمشوارٌ قريب و نعودْ" |
قلت لأمي "سنعود؟!" |
قال أبي: "حتماً فيوماً ستعودْ |
يوماً بلا شكٍّ تعودْ!" |
أندلسيات |
1 |
جئتُ يوماً فصار شهراً وعاما |
كان حرباً فصار شعري سلاما |
كنتُ طفلاً تلحَّف الليلَ حتى |
قرأ الشعر للنَّدامى وناما |
كنتُ مداً، فجئتَ أرضاً، وكنتَ |
الشمسَ تحصي وتكشفُ الأياما |
كنتَ موالاً... |
لا يزال الخليجيُّ يغنيهِ في الحجاز مقاما |
في يديكَ المصباحَ ترمي عمودَ النورِ |
كالرمحِ إذ رميتَ الظلاما |
ما أراك المودع اليوم لكنْ |
قد أراني أودعُ الأحلاما |
2 |
نخلةٌ أم مدينةٌ تحمل الحبَّ |
وبستانٌ يزرعُ الأقلاما |
جئتنا بالزهورِ و النورُ برقٌ |
ومددتَ اليدين كأساً مداما |
وملأتَ الدواةَ حبراً وصغتَ |
الشعرَ لحناً. كما أردنا تماما |
ودخلتَ القلوبَ فتحاً مبيناً |
فسُقِينا مودةً أعواما |
وكشفتَ السماءَ عنَّا غطاءً |
فانطلقنا على يديك حماما |
3 |
منذ عام سلَّمتني الأقلاما |
بعد عامٍ حمَّلتني الأعلاما |
فأضأتَ النيران لي من بلادٍ |
لبلادٍ كنتَ فيها الإماما |
و تقدَّمتني يدٌ في يدٍ |
كنت صديقاً وكنتَ درعاً حساما |
ولوائي عقدتَهُ بيميني |
و قبضتُ المدادَ منك زِماما |
كنتُ في الخلف و الأمام أمامي |
فلماذا تركتَ خلفي الأماما؟ |
4 |
أيُّها الراحل الذي لا يبالي |
أين ترسو به الليالي سلاما |
حَكِّم الشوقَ إن أردت لذكرانا |
كلاماً يردُّ فينا الكلاما |
واجمع الأيامَ التي جمعتنا |
واحمل الذكرى في يديك وساما |
وتوشَّح بكلِّ شعر كتبنا |
وتذكَّر مجالساً ومقاما |
من خيولِ المساء سرجاً |
ومن نور روابينا معطفاً ولثاما |
خذ ليالي نجدٍ وغيم عسيرٍ |
وعيون الأحساء و الدَّمَّاما |
خيمةٌ في ظلالها خَبَّأتنا |
وحديثٌ يسكِّن الآلاما |
5 |
يا رحيلَ السواحل استبق ِ حيناً |
لبكاء المرجان حينٌ ترامى |
هكذا.. |
هكذا ترجلتَ ليلاً |
لترشَّ النَّدى وتطوي الخياما |
إنني و الظهران نبكي سوياً |
ويداها تمد نبتَ الخزامى |
أي أمرٍ رحلتَ عنَّا إليه |
شاقكَ النيلُ أم مللتَ الكراما |
يا أبا ياسر إلى أينَ تمضي |
ولمن يا تُرى تركتَ اليتامى |
صدفة |
أتيْتيني على غفْلَة ْ |
و كنتِ الطفلةَ الطفلة ْ |
فكُنْتيني |
دخلتِ القلبَ بالصُّدفة ْ |
وكانت دمعتي غُرفَة ْ |
ستُؤويني |
أخذنا الحبَّ بالقوة ْ |
أكان الشوقُ يا حُلوة ْ |
سَيُنهيني |
زرعتِ العشبَ في صدري |
أكانَ العمرُ يا عمري |
سَيَكْفيني |
قتلتيني برمشيكِ |
وقد قلتِ بعينيكِ |
ستحييني |
أشهداً ذُقْتُهُ خمراً |
أدمعاً سالَ أم نهراً |
من الطينِ |
أذقتينيهِ أم ذقنا |
أكأسٌ أنتِ أم سكنى |
سكنتيني |
أعينيكِ لي المرآةْ |
سقتني الآهَ و الأوّاهْ |
و تسْقيني |
أتبقى رحلةَ الطيبِ |
بأنفي رحلة الطيبِ |
و تُبقيني |
تركْتيني على الوردَةْ |
لبعدٍ يشتكي بعدَهْ |
ويشكوني |
يمرُّ الوقتُ من عندي |
من الصين إلى الهندِ |
إلى الصينِ |
من الخيمةِ للخيمةْ |
تركتيني على الغيمةْ |
تركتيني |
إلى أين إلى أينَ |
تركتِ القلب و العينَ |
بلا لينِ |
على دربٍ يعنّينا |
سيُبكيك و تمشينا |
و يبكيني |
شاهدت جرحي واقفاً |
في قلبي الشهدُ كم من جرة كسروا |
وكم بقلبي رشاً من دمِّها سَكِروا |
غنَّوا له صوتُهم ريحٌ فما عزفوا |
لحناً يدندنُهُ في حُزْنِهِ وترُ |
خَطُّوا له، حِبْرهمْ ماءٌ، فما نقشوا |
شيئاً ليحفظَهُ في جذْعِهِ شجرُ |
ولا أضاؤوا فوانيساً بساحتِهِ |
سقوهُ أعذبَ ما يبكي به حجرُ |
و قطَّعوا ما تبقَّى من سحابتهِ |
و أشعلوا زيتَهُ من بعد أنْ ظهروا |
ذاقوا وما ذقتُ إلا مرّ قافيةٍ |
تحتَ اللسانِ وفي الفَودينِ تستعرُ |
العابرونَ دمي مجْذافهم هدبي |
المحرقون أغانيهم و قد عبروا |
حِنَّاؤهم من دمي فنٌّ ومن عنبي |
كحْلٌ ومن مقلتي يُسقون ما عصروا |
على ليالٍ مضتْ من أيِّ نافذة |
نظرتُ شوقاً رأيتُ القلب ينكسرُ |
فلا وقفتُ على أطلال ذاكرةٍ |
إلا تلألأ في أسْمالها أثرُ |
ولا مررتُ بها إلا وفاح لها |
شوقٌ ورفرفَ في أجْفانها سفرُ |
وما نسجْتُ على أستارها لغةً |
إلا و ثقَّب في أستارها النظرُ |
بكيتُ لم تبقَ من عينيَّ زاويةٌ |
إلا لها دمعةٌ في الركن تنتظرُ |
ولا سرى بعدهم فكري براحلةٍ |
إلا يُظَلِّلُهُ في سيره سهرُ |
فإن تكسَّر كوبي كل سوسنةٍ |
كوبٌ وكلُّ هوى من بعدهم خطرُ |
غداً سأمحو التضاريسَ التي نزلوا |
و أدفن الماءَ و البئرَ الذي حفروا |
نوارسٌ تركتْ في شاطئي أثراً |
لتَمحُهُ موجةٌ أو يُجِلِه مطرُ |
و زهرةٌ نَشرتْ في الصيفِ مهجتَها |
يأتي عليها شتاءٌ ثم تنتحرُ |
و نسمةٌ أخطأت عنوانَ ساقيةٍ |
لتلتقي دمعةً في الرمل تنتشرُ |
أحلى الفراقِ فراقٌ لستَ تفهمُهُ |
كالغيمِ يأتي ظلالاً ثم ينحدرُ |