غيابُكِ نافورةُ حُرْقْة |
وأنا الضاميءُ (لمْ تروني شفتاكِ) أجلسُ على حافةِ حوضِ السيراميك |
أمام مبنى دار الفنون |
أتابعُ قطراتِ الماءِ.. وهي تتصاعدُ بقوةٍ، كأسلاكٍ ذهبيَّةٍ لا متناهيةٍ، سرعانَ ما تنحني... |
وتعاودُ السقوط ثانيةً: |
غيماً من الرَذَاذِ المتناثرِ – كشَعرِكِ الطويل – |
على المارّةِ |
وقميصي.. |
وغَيْرَةِ الفتياتِ |
أو تنحدرُ دوائر، دوائر - كسنواتِ عُمري - |
تتفرّقُ.. تَتَّسِعُ.. تَتَّسِعُ، وتَضِيعُ، في الزَحْمَةِ |
لا شيءَ على السطحِ |
غير فقاقيعِ الذكرياتِ تلوّنها أضواءُ الطرقِ الشاحبةِ |
يا سيِّدتي.. يا ذاتَ العينين الواسعتين |
تَعْرِفين كمْ من الكلماتِ ضاعتْ |
وأَعْرِفُ كمْ من السنواتِ ستضيعُ |
لا أحدَ، يوقف هذا الضياعَ المستمرَّ.. الذي يسمّونهُ - خطأً - أيّامَنا |
لا أحدَ، يوقف هذين العقربين المتراكضين على ميناءِ عُمري |
وهما يَقْضِمانِ في طريقهما كلَّ شيءٍ: |
الشوارعَ، والكتبَ، وأمنياتي.. |
المطرَ، والرسائلَ.. |
الأصدقاءَ وإجازاتي القصيرةَ، |
والمشاريعَ المؤجَّلةَ، والمطاعمَ.. |
إلّا أنتِ.. |
يا أنتِ، يا غيابكِ نافورةُ ندمٍ وحُرْقْةٍ واشتهاء.. |
أينما تذهبين.. |
ستطاردكِ الذكرياتُ.. |
أقولُ لكِ: |
ما الذي ستفعلين غداً؟ |
حينما تنبشين شوارعَ بغداد، حنيناً وغربةً وبكاءً |
ولا تجدينني.. |
أقولُ لكِ: |
ما الذي سأفعلهُ غداً |
بأيّامي.. |
حين لا أَجدُكِ.. |
* * * |