.... إلى مدني صالح |
تُحَدِّثُني النفسُ.. أنّي سأتلفُ عُمري الطويلَ العريضَ.. على كتبٍ، ونساءٍ، وحاناتِ حُزنٍ، وصَحْبٍ يمرّون مثلَ السحاب.. |
تحدِّثني النفسُ – يا وَيْلَتي – من حديثِ اللعينةِ، تلكَ التي |
تقودُ خطايَ الضليلةَ.. |
نحو الغوايةِ والمشتهى.. |
فإنْ مرَّ عشرونَ عاماً من النثرِ، والجمرِ، والسَفْرِ البِكْرِ، هذا الضياع المهذّب خلف خطى الفتياتِ.. وخلفَ دُخانِ المكاتبِ، والشِعرِ… أوقفني ندمٌ نازفٌ في الضلوعِ: |
أهذا إذاً كلّ ما قدْ حصدتَ من العُمرِ… يا صاحبي |
وأسمعُ تقريعها قاسياً، شاحباً |
وهي تُحصِي أمامَ المرايا.. تجاعيدَ وَجْهي، |
وأسنانيَ الساقطة! |
* |
تحدّثني النفسُ – في بوحِها – عكسَ ما قدْ يطيبُ لصَحْبي الحديثُ المثرّثرُ عن أيِّ شيءٍ سوى جمرةِ النفسِ، تلك الخبيئة، خلفَ رمادِ التذكُّرِ، واللغةِ المنتقاةِ… |
ولكنَّني حين أنبشُ في موقدِ القلبِ.. عن خُصْلَةٍ تركتها امرأة… |
وعن دفترٍ مدرسيٍّ نزفتُ به أولَ الكلماتْ |
وعن نخلتين،… وأُرجُوحَةٍ لاصطيادِ القمرْ |
سأُبْصِرُها في ليالي العذابْ |
تُقاسِمُني غرفتي، والكتابْ |
وكعادتها، في الحديثِ الطويلِ أمامَ وجومي… |
ستجلسُ فوقَ سريري |
وتسألني في اضطرابْ |
عن مواعيدَ خائبةٍ… |
ووجُوهِ نساءٍ نسيتُ – بوسطِ الزِحامِ – ملامحَها |
وعناوينَ في صحفٍ قذفتها المطابعُ |
عن آخرِ الأصدقاءِ |
وعن……… |
… بوحِ نفسي |
وللنفسِ، هذا الحديثُ الفضوليُّ… |
لائحةُ اللومِ حين تُقدِّمُها… |
– مثلما عوَّدتني بكلِّ مساءٍ – كفاتورةٍ للحسابْ |
ثم تَسْبِقُني في الهواجسِ |
تَسبِقُني في التخيّلِ، والمفرداتِ، الغواياتِ، |
هذا الطريق الطويل إلى آخرِ العُمرِ…، والذكرياتِ |
وماذا تَبَقَّى من العُمرِ… يا صاحبي؟! |
حفنةٌ من سنينٍ، وكدسٌ من الكتبِ المنتقاةِ، ستحشو بها رأسَكَ الفوضويَّ… وتمضي تثرثرُ… في الجلساتِ، وفي الندواتِ: عن الشِعرِ، والموضةِ الأَلسُنيّةِ والنقدِ في حلباتِ الجرائدِ… |
حتى إذا مرَّ عشرون عاماً… وعشرون أخرى |
وقلّبتَ بين يديك دواوينَكَ الخمسةَ، النائماتِ على الرفِّ… |
تلكَ التي استنـزفتكَ السنينَ الجميلاتِ، والحُلْمَ… |
يا صاحبي |
سيوقفني ندمٌ قاتلٌ في الحنايا… |
وأسمعُ تقريعَها هادئاً، هازئاً |
وهي تُحصِي أمامَ المرايا، حرائقَ رأسي المشوبِ بأحلامِهِ البيضِ، والصلعةِ الناصعة |
- أهذا الذي… كلّ ما قدْ جنيتَ من العُمر… |
يا صاحبي!؟ |
* * * |
14/4/1983 بغداد - مقهى في شوارع أبي نواس |