بلا ذكرياتكِ.. ماذا أفعل بقلبي؟ |
"أما آنَ لهذه الأوجاعِ القديمةِ أنْ تثمرَ |
ذلك أنَّهُ ما مِنْ هدأةٍ في أي مكانٍ .." |
- ريلكه - |
. |
. |
. |
حُمّى، تتصاعدُ كالحُمّى، وأنتِ في تلافيفِ الذاكرةِ أيضاً، تجلِسين في صالةِ الألمِ، متصالبةَ الساقين، تجسّين عروقي المتنافرةِ، كطبيبٍ أرستقراطيٍّ مبتديءٍ |
تنبضُ شرايينُ تاريخِ خيباتي، كلّها، بين أصابعكِ الرقيقةِ كالحلوى |
فترتعشين من الحُمّى، تذعرين.. |
لا العقاقيرُ، ولا العُذَّالُ، ولا النومُ قبل الواحدةِ، يُطْفِيءُ هذهِ الكرةَ الملتهبةَ التي يسمّونها رأسي.. |
حُمَّى، حُمَّى، حُمَّى تتصاعدُ، كنوافيرِ الساحاتِ المكتظَّةِ |
تختلطُ الأشياء أمامَ عينيَّ المضبَّبتين، فلا أكادُ أميّزُ: |
بين كريستالِ صالةِ العرضِ، وقوامكِ الأهيفِ |
بين شَعركِ الطويلِ، وضَفيرةِ اللبلابِ المُتسلِّقِ |
بين قلبي، وهذه الفوضى |
آه، مَنْ يوقفُ أمطارَ الألمِ التي تَنقُرُ زجاجَ رأسي منذ الصباحِ |
شوارعي مُبلَّلةٌ وروحي أيضاً.. |
وأنتِ، تحتَ مظلّتِكِ الفاخرةِ، |
تعبُرين أرصفةَ الذكرياتِ - بلا مبالاةٍ – |
سوى بعضِ الاِرتباكِ الخفيِّ الذي يشوبُ خطواتكِ المسرعةَ |
كلّما تعثَّرتِ بحجرِ آهةٍ أو ببِرْكَةِ دمعٍ |
ماذا أفعلُ بهذا القلب، بدون ذكرياتكِ؟ |
ماذا أفعلُ - قولي - بهذا الرأسِ بدون حُمّاكِ؟ |
بدون هذهِ الحُمَّى فقط |
الكتابةُ الرائعةُ، حُمَّى |
نظراتكِ، حُمَّى |
والشوارعُ أيضاً، كرةٌ من الحُمَّى تتدحرجُ على الإسفلتِ |
وأنتِ |
ألا تخشين حُمَّى كتاباتي |
ألا تخشين جنونَ حُمَّى ولعي بعناقيدِ شفتيكِ التي لمْ تنفرطْ بعدُ |
مَنْ دلّكِ على ولعي، فالتصقتِ به |
ألا تخشين أنْ يصبحَ اسمكِ - ذاتَ يومٍ - فضيحةً |
على لسانِ عجائز الأزِقَّةِ، وأكشاكِ الصحفِ، ودفاترِ يوميّاتِ التلميذاتِ السِرِّيةِ، وطاولاتِ النقدِ والخمرةِ في نادي الأدباء، وحدائق الياسمينِ النمّامِ، والطبعاتِ التجاريَّةِ لكتبِ رسائلِ الحبِّ والغرامِ، وغمزِ صديقاتكِ، وغَيْرَةِ الشوارعِ، وتصاعد الحُمَّ |
حُمَّى من الهذيان، صاعداً أو نازلاً |
في فراغِ الورقةِ |
ماذا أفعلُ بكلِ قصائدي إليكِ |
عندما ترحلين.. |
ماذا أفعلُ سوى أنْ أحمِلَ جثمانها الساكن |
وأشيّعها - بالدموعِ والندمِ - إلى مقبرةِ دولابي |
لا الخلود يستفزُّني، ولا مقالات النقدِ المُدَبَّجة، ولا دبق الإعجاب |
ضحكةٌ واحدةٌ منكِ، آهةٌ واحدةٌ، توقُّفٌ عفويٌّ عند فاصلةٍ كان يكفيني.. |
كان يستفزُّني لأنْ أَكْتُبَ وأَكْتُبَ - بلا توقُّفٍ - |
منتشياً بهذه الحُمّى.. |
* * * |