حليفُ سُهادٍ ليلُهُ كنهاره
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حليفُ سُهادٍ ليلُهُ كنهاره | يبيتُ شِعارُ الهمِّ دونَ شعارهِ |
أصابتْهُ من رَيْب الزمان مُصيبة ٌ | كَؤودٌ لها ما بعدها من حذاره |
رَزِيَّة ُ خالٍ كان للدهرِ جُنَّة ً | إذا الدهر أَنحَى مُرْهفات شِفارهِ |
وكان إذا عُدَّ الخُؤول فَعُدِّدتْ | مَساعيه لم تغْضِ الجُفون لعارِه |
ألا مات من مات الوفاء بموته | فأعوزَ من يوفي بذمة جاره |
ألا مات من مات السماح بموته | وكلُّ عطاء نقدُهُ كضِماره |
فأيُّ قِرًى تَقرِي الليالي ضيوفَها | وقد عَطَّلت ما عَطَّلتْ من عِشاره |
فتًى كان يَهدي الجودُ قصدَ سبيله | وحاشاه من أسراره وبِداره |
فتى كان لا يطوي على الغدر كَشْحَه | ولا تسأمُ الأيامُ يومَ فَخاره |
فتى كان كالعذراء في ظلِ خدرها | وكالأسد الرِّئبال في ظل داره |
مضى قد تناهَى سُؤْدُداً غير أنه | مضى نَصَفاً قد لاح شَيْبُ عذاره |
خبا قمرُ الدنيا لحين اتساقه | فيا أسَفاً هلاّ لحين سِراره |
علاه كسوفُ البدر عند تمامه | مُلِحٌّ به حتى هوى في مَغاره |
رُزِئناه يومَ الأربِعاء ولم تزل | فَواقرُ هذا الدهر يوم دبَارِهِ |
بنفسيَ من لم تُقْض بعضُ حقوقِه | ولم تفْنَ أيدينا بطول اعتواره |
بنفسيَ من لم يؤذِنا بأنينه | ولم يؤذ جارَيْ بيتِه بجواره |
حبيبٌ دَعاه مُستزيراً حبيبُهُ | فخف له مستبشراً بمزاره |
وقصَّر شكواه فكانت كأنها | طريقٌ أراهُ كيفَ وجْهُ اختصاره |
ولم تَطُلِ البلوى عليه لعلمه | بتسليمه فيما مضى واصطباره |
تبلج عند الموت وابيضّ وجههُ | تبلُّجَ ضوء الفجر عند انفجاره |
فشكَّكَنا في موته غير أنه | أبان لنا في طرفه وانكساره |
فلو كان يدري قبرُهُ من يحِلُّهُ | تفرَّجَ بالترحيب قبل احتفاره |
أعِلاَّنُعلَّتْكَ الرَّوائحُ صَوْبَها | وأنْهلَكَ الغادي رَويَّ قطارِهِ |
بحسبِك بل حسب المُريديَ بالرَّدى | جوى حَزَنٍ يَصلى فؤادي بناره |
على أنه لا حسْبَ لي بعدما أتتْ | عليه الليالي من مَزيد المكاره |
فلا يُبْقِ مكروه عليَّ فإنني | لكلّ كريهٍ نالني غير كاره |
أعِلاَّن مَنْ أغشَى ليؤنس وَحدتي | ويدْحَر عني الهم عند احتضاره |
أعِلاَّنُمن يُصْغي لسمع شَكِيَّتي | وأصْغي إلى مردوده وحواره |
أعِلاَّنُمن أُفشِي إليه سريرتي | فآمنَ من إدلاله واغتراره |
ومن ذا يُحامي عن ذِماريَ غائباً | أشدَّ محاماة ِ امرىء ٍ عن ذِماره |
ومن ذا تظلُّ النفسُ عند مغيبه | معلَّقة ً آمالها بانتظاره |
نهاري لدْن فارقتني لك موحِشٌ | وليلي فقيدُ النوم حتى انحسارِهِ |
عليَّ خشوع ظاهر واستكانة | كأني أسير كانع في إساره |
أيسكن مسلوبٌ سكينة َ ليله | ويأَنس مفجوع بأُنس نَهاره |
يُقاسي زفيراً دائباً في صعوده | يُراح ودمعاً دائباً في انحداره |
أَلاَ تَعِسَ الدهرُ المُفرِّق بيننا | وإن كان كلٌّ عاثراً بعِثاره |
ألحَّ علينا مولَعاً بسَراتنا | كما أَولع الجاني بخير ثِماره |
أرى الدهرَ لا يأْوي لعوْلة مُعْوِلٍ | ولا يَرعوي للصوت عند انسماره |
يصول فلا يرثي لثُكل كبيرة ٍ | ولا يُتْم طفلٍ يا لَسُوء اقتدارِه |
ألا بؤس لِلأُمِّ التي هدَّ رُكنها | بواحدها المُخْلي عٍراصَ دِيارِه |
ويا بؤس لِلأُخْت الشقِيَّة بعدهُ | من الحَزَنِ الباقي وطول استعاره |
ويا بؤس للطِّفلِ الصغير وشادنٍ | تعجَّلَ بؤس اليُتْم قبل اتغارِهِ |
مُحَمَّدُكُمْ قد بَتَّ ريحانَ صدره | ونازعه في الليل فضل إزاره |
أبا قاسمٍكم قد فالك لُبُّهُ | على فضلة من حلمه ووقاره |
فظل يناغيك الكلام بمنطقٍ | رقيق الحواشي زانه بافتراره |
سقى الغيثُ ميتاً خُطَّ بالدَّيْر قبرُهُ | فواراهُ إلاَّ سُؤْدُداً لم يوارِه |
بأقرب دارٍ لا أرى الدهرَ وجهَهُ | فيا بُعدَ مرآهويا قُرْبَ داره |
عَداهُ البِلى أن يستجيب لدعوتي | وقد يُنجّدُ الملهوفُ عند اضطراره |
وكنت إذا استنجدتُهُ فدعوتُهُ | دعوتُ نصيراً نصرُهُ كانتصاره |
فوالله لا أنساهُ حتى أرى لهُ | شبيهاً على أسبابه ونجاره |
ولو أنني أيضاً رأيتُ شبيههُ | لما كان إلا مُغرياً بادِّكاره |
فلو كان هذا الموت قِرناً أُطيقهُ | لما فاتني أخرى الليالي بثاره |
ولوْ قَبِلتْ مني الليالي فداءهُ | لفَاديتُها من تالدي بخيارِه |
فأنِّى تُفاديني المنايا بمثله | وكَيْسُ المنايا كيسُها في اختيارِه |
ألا ليتَما كنَّا كغادٍ ورائحٍ | وكان رواحي لاحقاً بابتكارِه |
عليك سلام الله حياً وميتاً | تباشرتِ الموتى بقرب جواره |
أبى َ ليَ أن أسْلاك ما دمتُ باقياً | حُلُولك من قلبي مكينَ قراره |