أبدأ |
من قاع الهجس |
ومن قاعات النرجس |
من يأس الوطن المتألق كاللوتس في النهر |
كسحر الصهد بنهد مراهقة ولدت من زبد الشمس |
أبدأ من حلمتها كالحلم |
أبدأ كالحلم الخارج من كل الأحلام الحلوة |
أهذي أهتز |
أهز سرير الوطن المستغرق |
أغرق |
من يرسم قربي قارب قوس |
ينتشل الماء ويتركني |
في الركن الساخن في وطني |
في الركن البادئ في وطني |
أبتدئ الآن |
فأبدأ من هلهلة الطفل الهائل |
من هول الهم الواقف للطفل وراء الباب |
أبوح بحرقة أيام الحيرة |
من ساعات الأمل المائل |
من ملل الليل الزائل |
من مبتدأ الخبر الخاثر في أحداق |
سؤال الأم المنذورة للفقد |
فقدت قياد يدي ودمي وهذيت |
وهذي ذال ذكورة كل الكلمات المكسورة |
تخلع نقطتها وتغطي عورتها |
بالغار وزهو العار |
وتصهل دعني دعني |
هذا وطني يبدأ |
فأبدأ |
من أسنان السور السرية |
في سجن ليس له سعة |
أبدأ من قانون يعزف زعزعةً وزعافاً |
من زفرة شعب يعجز عنه الهزم |
فيعبر جلجلةً اللج ويسمو |
أبدأ من موت صديق صاح بصمت الكون |
( أكون صدىً لصرير الباب المفتوح |
بكسر وحشي لأحشاء شهيد نعرفه ) |
نبدأ |
من لغلغة اللغة المغلولة |
من غرغرة الدم بنحر شهيد |
نحمله حمل الحب |
فيصرخ فينا :هذا وطن يبدأ في |
وأبدأ في بيدره |
من شهق العرس الشاخص |
حيث تشق عروس ثوب الزف الزائف |
من عرق يتموج كالمجد الجبلي الجانح |
في عمال بلادي المرضوضة بالضيم |
أبدأ |
لا أعرف حداً للكلمة |
أعرف حداً للسيف |
أبدأ من رعش حنين النرجس للجنس |
فترجف تنهد حالمةً كل مدائن قلبي |
من قلعة شعبي |
من أسرار البحر |
وأقلع في سفن الدهشة |
أخرج من هذي المدن الهشة |
أدخل في هذي المدن الرثة |
في رئة الوطن الساكر في محراب الضوء |
الضوء وهذا وطني يتوضأ بالضوء |
وهذا وطني يتدفق في هذيان الوجد |
ويذهلني |
يصرخ بي دعني |
أبتدأ الآن كوقت يأتي |
أبدأ من ذهب الذل الذاهب |
من حدب الحاء بحريات بلادي |
من قصص الحب |
وحلو حنان الأم المنذور |
لحضن شهيد الحنطة |
أبدأ من تكوين الكون |
وأرخي لحروفي أتركها تبدأ بي |
تدخل بي قاعات النرجس والسندس |
حيث ابتدأ السحر الساهر |
فوق سرير السين |
وأستأنس وحش اللغة الشارد |
أدخله في هذياني |
وأزواج بين الحزن الحائر في عين بلادي |
في الليل |
وبين الوادي في السيل |
وأربط أطراف الطرقات المخمورة |
والمهجورة والمحظورة |
بالقدمين |
أبدأ من دفتر أطفال بلادي |
أقرأ في اللبن المرسوم عليها |
بأياد حلبتها المرأة |
من ضرع الزمن الزائغ كالنصل |
ومن كل حروف الوصل |
من نافذة ينفذ منها فل الفسقيات |
المزدانة بالسهد |
والغضب الوردي يلون خد مراهقة |
نسيت قبلتها في لهف عشيق شق القرطاس |
وخط الحب على القلب |
وصاح ( هذا وطني يبدأ ) |
أبدأ من كل بدايات الشجر الشاهد |
بالشوك ويصرخ |
أبدأ من خيبات الخلق الأول |
والثاني والثالث |
من خلخلة الخوف وخلط الأوراق |
ورقرقة الوهم الهاطل |
في كف الهم الهسهاس وهمس |
القرط المنزوع |
وخيط الدم على كتف المرأة |
والمرآة المرتجفة والمشروخة بالغيم |
من ذهل الهدهد في حضرة بلقيس |
وبالعيس الظامئ والنهر على كتفيه |
ويهيم |
أبدأ من خيمة بنك السهرة |
فوق رصيف بلادي |
من قصر يتمرغ في وحل يتحول أو يتوزع |
في أرصدة التنويمات |
وفي وهج الجرح يشف الواقع |
عن حلم يحلو ويباغت |
لوعة غصن مغبون |
أبدأ بالحرف المجنون الجامح |
كالجرس المسنون |
يصيح بنوم العالم |
( هذا وطني |
أعرفه كالأحمر في الدم ويعرفني ) |
يا كل نشيج العالم |
أنشج دمع الباكين وأبكي بالكون |
وأكتب في كراس الكفر |
سلاماً للساهين عن الحب |
وسر الحب |
أبدأ من لوعة برد النطرة |
من نظرة أم للباب لكي يفتح |
عن ولد غاب |
وأبدأ من غيب يسفر عن ساق الحرية |
مهما طال |
من أطفال كبروا قبل الوقت |
ومن وقت بتخلف عن وقته |
من وقت لاه |
من سعة ضاقت بي |
أبدأ من خطوة جيل آت |
من جبل مات |
وجيل كاد |
من صبر امرأة أرهقها الحب |
وراقت في عينيها الكلمات المشدودة |
بين الحب وبين القلب |
فتشرق في حنجرة الفجأة |
أبدأ من رجل صادق أحجار الشمس |
ورافق همس جهات خمس |
من عرش القمر المنفعل الفاعل |
في عرس الليل طقوساً قاسية |
كالقوس القادم من قزح |
من فرح |
من تعب يوصل بين الترب وبين السحب |
يوزع في الأرض مواعيد |
يهيئ عيداً للتفاح |
يشد الغصن إذا طاح |
ويصرخ : |
( هذا وطني |
أعرفه |
كالبلح الغاضب في حد الصيف |
يكسر طمي النهر الناضب في الغفل |
ويبدأ ) |
أبدأ من أشلاء الشكل الشائخ |
من وهج رماد الأمس المحطوم |
من الهم المفطوم |
كثلج الفجر الناهض |
والوجل الباهض |
أبدأ من رايات العتمة |
في قداس الضحك الراكد |
في كدر الفرقة كالدن |
يدندن في أذن نبيذ الذبح |
لينبذ قصعته ويطير . |
أبدأ من خلع قواف ليست لي |
من قلع القاف الواقفة الآن كترس |
في صدر حروفي |
أبدأ من جسر الغامض والمعجز |
واللغز وسن الواقع والجامد واللين |
والصعب السهل الآتي الذاهب |
في زورق غمز لا يغرق |
في ماء القلب الأزرق |
ويكون البحر سلاماً للشعر الحلم الوهم السهم |
البادئ من لا حيث بدأت |
ويصرخ ( هذا وطني يبدأ ) . |
من لوتس أيام التحديق بحزن الإبر يسم |
من برسيم الدمع الداكن في منديل الدولة |
من إبريق الكلمات البراقة كالبرق |
وقرص القند |
من نهنهة الرضع تلج بجوهرة في النهد القادر |
في إصبع ساحرة تغزل للعشاق مواعيد |
ولا ينقصها غير التحقيق |
أبدأ من بدء الخلق الغامر بالقنديل القاني |
من عصفور دججه الجوع بجرح جمري |
أبدأ من رغوة ألواني |
من هذياني المذهول بذات الوطن الذائب |
في ذاتي |
أهمس |
كالناسك ينسج ماء صلاة الخشع ، |
ما أكبر هذا الوطن الشاهق |
في السطع |
وما أصغرني . |
شتاء 1978 |