تحلَّبتِ الأنواءُ بعد جمودها
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
تحلَّبتِ الأنواءُ بعد جمودها | وأقبلتِ الخيراتُ بعد صدودها |
بوجه أبي الصقر الذي راح واغتدى | كشمس الضحى محفوفة بسُعودها |
ولما أتى بغداد بعد قنوطها | وفترة داعيها وإيباس عُودِها |
إذا ظلَلٌ قد لوحتْ ببروقها | إلى ظُللٍ قد أرجفت برعودها |
سحائبُ قيست بالبلاد فألِقيتْ | غطاءٌ على أغوارها ونجودها |
حَدَتْها النُّعامى مثقلاتٍ فأقبلتْ | تَهادى رُويداً سيرُها كركودها |
غُيُوثٌ رأى الإمحالُ فيها حمامهُ | قرينَ حياة ِ الأرض بعد هُمودها |
أظلَّت فقل الحرثُ والنَّسْلُهذه | فُتُوح سماءٍ أقبلت في سدودها |
فأطفأ نيران الغليل مواطرٌ | مُضرّمة ٌ نيرانها في وقودها |
سقتنا ونيران الصدى كبروقها | فقد بردت أكبادنا ببرودها |
ولم نسقَ إلا بالوزير ويمنِهِ | فبوركَ في أيامه وعهودها |
دعا اللَّه لما أغبرَّت الأرض دعوة | بأمثالها تغدوا الرُّبى في برودِها |
فكم بركاتٍ أذعنت بنزولها | لدعوته إذ أمعنت في صعودها |
سما سَموة ً نحو السماء بغرَّة | مُسوَّمة ٍ قدماً بسيما سجودها |
وكَفَّينِ تستحيي السماءُ إذا رأت | رُفودهُما من ضنِّها برفودها |
فلمَّا تلقتها الثَّلاثُ رعتْ لها | مع الجاهِ عند اللَّه حُرمة َ جُودِها |
فجادت سماءُ اللَّه جوداً غدت له | عقيمُ بقاع الأرضِ مثلَ وَلُودِها |
بغاشية ٍ من رحمة اللَّه لم ترثْ | نسيَّاتُها إلاَّ كَرَيثِ نقودها |
سقتنا ومرعانا فروَّت وأفضلت | لِدجلة َ فضلاً فاغتدت في مدودها |
حَيَّاً جعلت فيه الحياة فأصبحتْ | بناتُ الثَّرى قد أنشرتْ من لحودها |
فمنْ مُبلغٌ عنَّا الأمير رسالة | فلا برحتْ نُعماكَ داءَ حَسُودها |
بقيتَ كما تبقى معاليك إنها | تبيدُ الهضابُ الشمُّ قبل بيودِها |
رأيناكَ ترعانا بعينٍ ذكيَّة ٍ | أتى النَّاسَ طُرّاً نومهمْ من سُهُودها |
هي العينُ لم تُوثِر كَرَاها ولم يزلْ | تَهَجُّدُها أولى بها من هُجُودها |
ونعماك في هذا الوزير فإنَّنا | نعوذُ بنعمى ربِّنا من جحودها |
وكيف جحود الناس نعماءَ مُنعمٍ | تناغى بها أطفالهمْ في مهودها |
لَعمريلقد قَلّدْتَهُ الأمرَ كافياً | يَلَذُّ التي أعيتْ شِفاءَ لدُودِها |
وزيرٌ إذا قاد الأمورَ تتابَعَتْ | فأصبَحَ آبيهَا جنيبَ مَقُودِها |
أخو ثقة ٍ لو حارب الأُسْدَ أذْعَنَتْ | أو الجنَّ ذلَّتْ بعد طولِ مُرُودها |
مَليٌّ بأنْ يغشى الغِمارَ وأنْ يرى | مصادِرَها بالرأْي قبل وُرُودها |
وذو طاعة للَّه في كل حالة | ومعصية ٍ للنفس عند عُنُودِها |
صَدُوعٌ بأحكام الكتابِ مُعَوِّدٌ | عَزَائمهُ التوْقِيفَ عند حدُودها |
وَهَت قُبَّة ُ الإسلام حتى اجْتَبيتَهُ | فقد أصبحتْ مَعْمُودة ً بِعَمُودِها |
بآرائه أضحتْ سيوفُكَ تُنْتَضَى | فَتُغْمَدُ من هَامِ العدا في غمُودِها |
غَدا خَيْر ذي عَونٍ لسيِّدِ أمَّة ٍ | وأَكْلأَ ذِي عَينٍ لِسَرْحِ مَسُودهَا |
كفى كلَّ ما تكفي الكُفَاة ُ مُلوكها | بِنُجْحِ مساعيها ويُمْنِ جُدُودها |
فقد أخمد النِّيرانَ بعد اسْتِعارها | وقد أوقَدَ الأنوارَ بعدَ خُمودها |
ويكْفيه إنْ خانَ الشهادة َ خائنٌ | بما اسْتَشهَدَتْ آثاره من شُهُودها |
أتانا ودُنْيانا عجوزٌ فأصبحَتْ | به ناهداً في عنفوانِ نُهودها |
فقدْ قُيِّدَتْ عنَّا المخاوفُ كلُّها | وقد أُطلِقَتْ آمالُنا من قُيودها |
بذي شَيَمٍ يُصْبيكَ حُسنُ وجُوهِها | ولينُ مَثانِيها وجَدْلُ قُدُودها |
حمانا وأَرْعانا حِمى كلَّ ثرْوة ٍ | وأبدَلَنا بيضَ الليالي بسُودِها |
فأضحى ولو تَسطِيعُ كلُّ قبيلة ٍ | وَقَتْ نَعْله مَسَ الثَّرَى بخدُودِها |
تأَلَّفَ وَحْشِيَّ القُلوب بلْطفِهِ | فأضْحى مُعاديها لهُ كَوَدُودِها |
وفَى َوعَفا عن كلِّ صاحبِ هفْوة ٍ | وكابدَ ما دون العُلا من كُؤُودها |
بنفسٍ أبتْ إلا ثَباتَ عُقُودِها | لمنْ عَاقَدَتْهُوانْحِلاَلَ حُقُودها |
ألاَ تلْكُمُ النفسُ التي تَمَّ فضْلُها | فما نَستَزِيدُ اللَّهَ غيرَ خُلُودها |
وإن عُدَّتِ الأحسَابُ يوماً فإنَّما | يُعدُّ من الأحساب رَمْلُ زَرُودِها |
مَفاخرُ عنْ آبائِهِ وبِنفسه | نُفُوذُ حصى الإحصاءِ قبل نُفُودِها |
تداركَ إسماعيلُ للعَربِ العُلاَ | فعادتْ لإِسمَاعيلها ولِهُودِها |
فتى ً من بني شيْبَانَ في مُشْمَخِرَّة ِ | شَديد على الرَّاقي رُقيَّ صُعُودِها |
نَمَتهُ من العَلْيَا جبالُ صُقُورها | وحفّت جَنَابيهِ غِياضُ أُسُودها |
فتى ً لعطاياه وفودٌ تَؤمُّها | فَإن قعدُوا كانتْ وفُودَ وفُودها |
إذا بَدْءُ ما أعطى أنَامَ عُفَاتَهُ | سرى عوْدُهُ مُستَيْقظاً لرُقودها |
ولمَّا رَحلتُ العِيسَ نحو فِنائه | ضَمنتُ عليه عِتْقَهَا من قُتُودها |
أمِنْتُ على نعمائه رَيْبَ دهره | ولمْ لاَ وذاك العُرفُ بعضُ جُنُودِها |