حتام نحن نساري النجم في الظلم
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
حَتّامَ نحنُ نُساري النّجمَ في الظُّلَمِ | ومَا سُرَاهُ على خُفٍّ وَلا قَدَمِ |
وَلا يُحِسّ بأجْفانٍ يُحِسّ بهَا | فقْدَ الرّقادِ غَريبٌ باتَ لم يَنَمِ |
تُسَوِّدُ الشّمسُ منّا بيضَ أوْجُهِنَا | ولا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذرِ وَاللِّمَمِ |
وَكانَ حالهُمَا في الحُكْمِ وَاحِدَةً | لوِ احتَكَمْنَا منَ الدّنْيا إلى حكَمِ |
وَنَترُكُ المَاءَ لا يَنْفَكّ من سَفَرٍ | ما سارَ في الغَيمِ منهُ سارَ في الأدَمِ |
لا أُبْغِضُ العِيسَ لكِني وَقَيْتُ بهَا | قلبي من الحزْنِ أوْ جسمي من السّقمِ |
طَرَدتُ من مصرَ أيديهَا بأرْجُلِهَا | حتى مَرَقْنَ بهَا من جَوْشَ وَالعَلَمِ |
تَبرِي لَهُنّ نَعَامُ الدّوّ مُسْرَجَةً | تعارِضُ الجُدُلَ المُرْخاةَ باللُّجُمِ |
في غِلْمَةٍ أخطَرُوا أرْوَاحَهُم وَرَضُوا | بمَا لَقِينَ رِضَى الأيسارِ بالزَّلَمِ |
تَبدو لَنَا كُلّمَا ألْقَوْا عَمَائِمَهمْ | عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُوداً بلا لُثُمِ |
بِيضُ العَوَارِضِ طَعّانُونَ من لحقوا | مِنَ الفَوَارِسِ شَلاّلُونَ للنَّعَمِ |
قد بَلَغُوا بقَنَاهُمْ فَوْقَ طاقَتِهِ | وَلَيسَ يَبلُغُ ما فيهِمْ منَ الهِمَمِ |
في الجاهِلِيّةِ إلاّ أنّ أنْفُسَهُمْ | من طيبِهِنّ به في الأشْهُرِ الحُرُمِ |
نَاشُوا الرّماحَ وَكانتْ غيرَ ناطِقَةٍ | فَعَلّمُوها صِياحَ الطّيرِ في البُهَمِ |
تَخدي الرّكابُ بنَا بِيضاً مَشافِرُهَا | خُضراً فَرَاسِنُهَا في الرُّغلِ وَاليَنمِ |
مَكْعُومَةً بسِياطِ القَوْمِ نَضْرِبُها | عن منبِتِ العشبِ نبغي منبتَ الكرَمِ |
وَأينَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعدِ مَنْبِتِهِ | أبي شُجاعٍ قريعِ العُرْبِ وَالعَجَمِ |
لا فَاتِكٌ آخَرٌ في مِصرَ نَقْصِدُهُ | وَلا لَهُ خَلَفٌ في النّاسِ كُلّهِمِ |
مَنْ لا تُشابِهُهَ الأحيْاءُ في شِيَمٍ | أمسَى تُشابِهُهُ الأمواتُ في الرِّمَمِ |
عَدِمْتُهُ وَكَأنّي سِرْتُ أطْلُبُهُ | فَمَا تَزِيدُني الدّنيا على العَدَمِ |
ما زِلْتُ أُضْحِكُ إبْلي كُلّمَا نظرَتْ | إلى مَنِ اختَضَبَتْ أخفافُها بدَمِ |
أُسيرُهَا بَينَ أصْنامٍ أُشَاهِدُهَا | وَلا أُشَاهِدُ فيها عِفّةَ الصّنَمِ |
حتى رَجَعْتُ وَأقْلامي قَوَائِلُ لي | ألمَجْدُ للسّيفِ لَيسَ المَجدُ للقَلَمِ |
أُكْتُبْ بِنَا أبَداً بَعدَ الكِتابِ بِهِ | فإنّمَا نحنُ للأسْيَافِ كالخَدَمِ |
أسْمَعْتِني وَدَوَائي ما أشَرْتِ بِهِ | فإنْ غَفَلْتُ فَدائي قِلّةُ الفَهَمِ |
مَنِ اقتَضَى بسِوَى الهِنديّ حاجَتَهُ | أجابَ كلَّ سُؤالٍ عَن هَلٍ بلَمِ |
تَوَهّمَ القَوْمُ أنّ العَجزَ قَرّبَنَا | وَفي التّقَرّبِ ما يَدْعُو إلى التُّهَمِ |
وَلمْ تَزَلْ قِلّةُ الإنصَافِ قاطِعَةً | بَين الرّجالِ وَلَوْ كانوا ذوي رَحِمِ |
فَلا زِيارَةَ إلاّ أنْ تَزُورَهُمُ | أيدٍ نَشَأنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الخُذُمِ |
من كُلّ قاضِيَةٍ بالمَوْتِ شَفْرَتُهُ | مَا بَينَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ |
صُنّا قَوَائِمَهَا عَنهُمْ فَما وَقَعَتْ | مَوَاقِعَ اللّؤمِ في الأيْدي وَلا الكَزَمِ |
هَوّنْ عَلى بَصَرٍ ما شَقّ مَنظَرُهُ | فإنّمَا يَقَظَاتُ العَينِ كالحُلُمِ |
وَلا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ | شكوَى الجريحِ إلى الغِرْبانِ وَالرَّخَمِ |
وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للنّاسِ تَسْتُرُهُ | وَلا يَغُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ |
غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ | وَأعوَزَ الصّدْقُ في الإخْبارِ وَالقَسَمِ |
سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها | فيما النّفُوسُ تَراهُ غايَةَ الألَمِ |
ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ | وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ |
وَقْتٌ يَضيعُ وَعُمرٌ لَيتَ مُدّتَهُ | في غَيرِ أُمّتِهِ مِنْ سالِفِ الأُمَمِ |
أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ | فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ |