إن أولي العلم بما في الفتن
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
إن أولي العلم بما في الفتن | تهيبوها من قديم الزمن |
فاستعصموا الله وكان التقى | أوفى لهم فيها من أوفى الجنن |
واجتمعوا في حسن توفيقه | وافترقوا في كل سعي حسن |
فعالم مستمجد عامل | يسلك بالناس سواء السنن |
ينثر من فيه لهم جوهرا | من علمه ليس له من ثمن |
يقسمه طلابه بينهم | قسمة تعديل بقدر الفطن |
وبهمة مخترط سيفه | يغمده في هام أهل الوثن |
يلبس من إيمانه لأمة | فضاضة يغنى بها عن مجن |
وحابس في بيته نفسه | معتزل مستمسك بالسنن |
يأخذ من دنياه قوتا له | مقنعا مثل عذار الرسن |
قد جعل البيت كقبر له | وبرده فيه له كالكفن |
فهو خفيف الظهر لكنه | أثقل في ميزانه من حضن |
وهارب شحا على دينه | إلى البراري ورؤوس الفتن |
يأنس بالوحدة في بيدها | أكثر من تأنيسه بالسكن |
لا يرهب الأسد ومن لم يخن | سيده في عهده لم يخن |
وتائب من ذنبه مشفق | يبكي بكاء الواكفات الهتن |
تخاله بين يدي ربه | في ظلم الليل كمثل الغصن |
إن مهد الناس لدنياهم | شمر في تمهيده للجنن |
كأنما الأرض له أيكة | وهو بها قمرية في فنن |
وصامت في قلبه مقول | بالذكر لله طويل لسن |
تراه كالأبله في ظاهر | وهو من اذكى الناس فيما يظن |
قد نور الله له قلبه | بالذكر في السر له والعلن |
فإن يبن بالفكر عن صحبه | فجسمه بينهم لم يبن |
إن لغوا جليس لهم | لم يلج اللغو له في أذن |
في ملكوت الله سبحانه | تجول ألباب لباب الفطن |
فهم خصوص الله نحو التي | من حل في جيرتها قد أمن |
ونزهوا الأنفس عن منزل | نازله مستوفز للظعن |
وسمروا الخيل ليوم به | ينكب من يركب فوق الهجن |
فليتني كنت لهم خادما | وليتني إذ لم أكن لم أكن |
ومن سواهم فرجال رجوا | أن يعبروا البحر بغير السفن |
وإنما قصر بي عنهم | حبي لدار ملئت بالفتن |
لا غارت الدنيا ولا أنجدت | فالعاقل الحر بها ممتحن |
تميل للأحمق من اهلها | وهي على عاقلهم تضطغن |
يا عجبا من غفلتي بعد أن | ناداني الشيب ألا فارحلن |
وأدرك الفائت من قبل ان | يفجأك الموت فلا تنظرن |
اقبح من ترمقه مقلة | مبصرة شيخ خليع الرسن |
تقتاده الدهر دواعي الهوى | إلى الصبا مثل اقتياد البدن |
يأمل آمال فتى يافع | كأنه ليس بشيخ يفن |
ليس جمال الشيخ إلا التقى | والمحو للسؤ بفعل حسن |
شغلت بالوصف ولو أنني | أشغل بالموصوف كنت الفطن |
ولم أبع رشدا بغي ولم | أرض بعقلي مثل هذا الغبن |
إنا إلى الله لقد حاق بي | ما يورث الخزي غدا والحزن |
والحمد لله ففي كفه | منح لمن شاء وفيها المنن |
وهو الذي أرجو فإن لم يكن | عند رجائي فيه طولا فمن |