أركائب الأحباب إن الأدمعا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا | تَطِسُ الخُدودَ كما تَطِسْنَ اليرْمَعا |
فاعْرِفْنَ مَن حمَلَتْ عليكنّ النّوَى | وامشَينَ هَوْناً في الأزِمّةِ خُضَّعَا |
قد كانَ يَمنَعني الحَياءُ منَ البُكَا | فاليَوْمَ يَمْنَعُهُ البُكا أنْ يَمْنَعَا |
حتى كأنّ لكُلّ عَظْمٍ رَنّةً | في جِلْدِهِ ولكُلّ عِرْقٍ مَدْمَعَا |
وكَفَى بمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً | لمُحبّهِ وبمَصْرَعي ذا مَصْرَعَا |
سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ | سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا |
فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها | ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا |
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها | في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا |
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها | فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا |
رُدّي الوِصالَ سقَى طُلولَكِ عارِضٌ | لوْ كانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ ما أقْشَعَا |
زَجِلٌ يُرِيكَ الجَوَّ ناراً والمَلا | كالبَحْرِ والتّلَعاتِ رَوْضاً مُمْرِعَا |
كبَنَانِ عَبدِ الواحدِ الغَدِقِ الذي | أرْوَى وأمّنَ مَن يَشاءُ وأجْزَعَا |
ألِفَ المُروءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأنّهُ | سُقِيَ اللِّبَانَ بهَا صَبِيّاً مُرْضَعَا |
نُظِمَتْ مَواهِبُهُ عَلَيْهِ تَمائِماً | فاعْتادَها فإذا سَقَطْنَ تَفَزّعَا |
تَرَكَ الصّنائِعَ كالقَواطِعِ بارِقا | تٍ والمَعاليَ كالعَوالي شُرَّعَا |
مُتَبَسّماً لعُفاتِهِ عَنْ واضِحٍ | تَغْشَى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُّمّعَا |
مُتَكَشّفاً لعُداتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ | لوْ حَكّ مَنكِبُها السّماءَ لزَعزَعَا |
الحَازِمَ اليَقِظَ الأغَرَّ العالِمَ الـ | ـفَطِنَ الألَدّ الأرْيَحيّ الأرْوَعَا |
الكاتِبَ اللّبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ الـ | ـنّدُسَ اللّبيب الهِبْرِزِيّ المِصْقَعَا |
نَفْسٌ لها خُلْقُ الزّمانِ لأنّهُ | مُفني النّفُوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمّعَا |
ويَدٌ لهَا كَرَمُ الغَمَام لأنّهُ | يَسقي العِمارَةَ والمكانَ البَلقَعَا |
أبَداً يُصَدّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وافِرٍ | ويَلُمُّ شَعْبَ مكارِمٍ مُتَصَدّعَا |
يَهْتَزّ للجَدْوَى اهْتِزازَ مُهَنّدٍ | يَوْمَ الرّجاءِ هَزَزْتَهُ يومَ الوَغى |
يا مُغْنِياً أمَلَ الفَقيرِ لِقاؤهُ | ودُعاؤهُ بَعْدَ الصّلاةِ إذا دَعَا |
أقْصِرْ ولَستَ بمُقْصِرٍ جُزْتَ المدى | وبلغتَ حيثُ النّجمُ تحتكَ فارْبَعَا |
وحَلَلْتَ من شَرفِ الفَعالِ مَواضِعاً | لم يَحْلُلِ الثّقَلانِ مِنْها مَوْضِعَا |
وحَوَيْتَ فَضْلَهُما وما طَمِعَ امرُؤٌ | فيهِ ولا طَمِعَ امرُؤٌ أنْ يَطْمَعَا |
نَفَذَ القَضاءُ بمَا أرَدْتَ كأنّهُ | لكَ كُلّما أزْمَعْتَ أمراً أزمَعَا |
وأطاعَكَ الدّهْرُ العَصِيُّ كأنّهُ | عَبْدٌ إذا نادَيْتَ لَبّى مُسْرِعَا |
أكَلَتْ مَفاخِرُكَ المَفاخرَ وانْثَنَتْ | عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصْفي ظُلَّعَا |
وجَرَينَ جَرْيَ الشّمسِ في أفلاكِها | فقَطَعْنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطْلِعَا |
لوْ نِيطَتِ الدّنْيا بأُخْرَى مِثْلِها | لَعَمَمْنَهَا وخَشينَ أنْ لا تَقْنَعَا |
فمَتى يُكَذَّبُ مُدّعٍ لكَ فَوْقَ ذا | والله يَشْهَدُ أنّ حَقّاً ما ادّعَى |
ومتى يُؤدّي شَرْحَ حالِكَ ناطِقٌ | حَفِظَ القَليلَ النّزْرَ مِمّا ضَيّعَا |
إنْ كانَ لا يُدْعَى الفَتى إلاّ كَذا | رَجُلاً فَسَمِّ النّاسَ طُرّاً إصْبَعَا |
إنْ كانَ لا يَسْعَى لجُودٍ ماجِدٌ | إلاّ كَذا فالغَيْثُ أبخَلُ مَن سَعَى |
قَدْ خَلّفَ العَبّاسُ غُرّتَكَ ابنَهُ | مَرْأًى لَنا وإلى القِيامَةِ مَسْمَعَا |