حاشى الرقيب فخانته ضمائره
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
حاشَى الرّقيبَ فَخانَتْهُ ضَمائِرُهُ | وَغَيّضَ الدّمْعَ فانهَلّتْ بَوادِرُهُ |
وكاتمُ الحُبّ يَوْمَ البَينِ مُنهَتِكٌ | وصاحبُ الدّمعِ لا تَخفَى سرائرُهُ |
لَوْلا ظِباءُ عَدِيّ ما شُغِفْتُ بهِمْ | وَلا برَبْرَبِهِمْ لَوْلا جَآذِرُهُ |
من كلّ أحوَرَ في أنْيابِهِ شَنَبٌ | خَمْرٌ يُخَامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ |
نُعْجٌ مَحاجِرُهُ دُعْجٌ نَواظِرُهُ | حُمْرٌ غَفائِرُهُ سُودٌ غَدائرُهُ |
أعَارَني سُقْمَ عَينَيْهِ وَحَمّلَني | منَ الهَوَى ثِقْلَ ما تَحوي مآزِرُهُ |
يا مَنْ تَحَكّمَ في نَفسي فعَذّبَني | وَمَنْ فُؤادي على قَتلي يُضافِرُهُ |
بعَوْدَةِ الدّوْلَةِ الغَرّاءِ ثَانِيَةً | سَلَوْتُ عَنكَ ونامَ اللّيلَ ساهرُهُ |
منْ بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ | كأنّ أوَّلَ يَوْمِ الحَشْرِ آخِرُهُ |
غابَ الأميرُ فَغابَ الخيرُ عَنْ بَلَدٍ | كادَتْ لفَقْدِ اسمِهِ تَبكي مَنابِرُهُ |
قدِ اشتَكَتْ وَحشَةَ الأحياءِ أرْبُعُهُ | وَخَبّرَتْ عَن أسَى المَوْتَى مَقابرُهُ |
حتى إذا عُقِدَتْ فيه القِبابُ لَهُ | أهَلّ لله بادِيهِ وحاضِرُهُ |
وَجَدّدَتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطْرُدُهُ | وَلا الصّبابةُ في قَلْبٍ تُجاوِرُهُ |
إذا خَلَتْ منكَ حمصٌ لا خلتْ أبداً | فَلا سَقَاها مِنَ الوَسميّ باكِرُهُ |
دَخَلْتَها وشُعاعُ الشّمسِ مُتّقِدٌ | ونُورُ وَجْهِكَ بينَ الخلْقِ باهرُهُ |
في فَيْلَقٍ مِنْ حَديدٍ لوْ قَذَفتَ بهِ | صرْفَ الزّمانِ لمَا دارَتْ دَوائِرُهُ |
تَمضِي المَواكبُ والأبصارُ شاخصَةٌ | منها إلى المَلِكِ المَيْمُونِ طائِرُهُ |
قَدْ حِرْنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ | في دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ |
حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ | تُحصَى الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ |
تَضيقُ عن جَيشه الدّنيا ولوْ رَحُبتْ | كصَدْرِهِ لم تَبِنْ فيها عَساكِرُهُ |
إذا تَغَلْغَلَ فكرُ المرءِ في طَرَفٍ | من مَجْدِهِ غَرِقَتْ فيه خَواطِرُهُ |
تَحْمَى السّيوفُ على أعدائِهِ مَعَهُ | كأنّهُنّ بَنُوهُ أوْ عَشائِرُهُ |
إذا انْتَضَاها لحرْبٍ لمْ تَدَعْ جَسَداً | إلاّ وباطِنُهُ للعَينِ ظاهِرُهُ |
فَقَدْ تَيَقّنّ أنّ الحَقّ في يَدِهِ | وَقَدْ وَثِقْنَ بأنّ الله نَاصِرُهُ |
تَرَكْنَ هَامَ بَني عَوْفٍ وثَعْلَبَةٍ | على رُؤوسٍ بلا ناسٍ مَغَافِرُهُ |
فخاضَ بالسّيفِ بحرَ المَوْتِ خَلفَهُمُ | وكانَ منهُ إلى الكَعْبَينِ زاخِرُهُ |
حتى انتهَى الفرَسُ الجاري وما وَقعَتْ | في الأرضِ من جِيَفِ القتلى حوافرُهُ |
كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ منهُ أسِنّتُهُ | وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فيها بَواتِرُهُ |
وحائِنٍ لَعِبَتْ شُمُّ الرّماحِ بهِ | فالعَيشُ هاجِرُهُ والنّسرُ زائِرُهُ |
مَنْ قالَ لَسْتَ بخَيرِ النّاسِ كلِّهِمِ | فجَهْلُهُ بكَ عندَ النّاسِ عاذرُهُ |
أوْ شَكّ أنّكَ فَرْدٌ في زَمانِهِمِ | بلا نَظِيرٍ فَفي روحي أُخاطِرُهُ |
يا مَنْ ألُوذُ بِهِ فيمَا أُؤمّلُهُ | وَمَنْ أعُوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ |
وَمَنْ تَوَهّمْتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ | جُوداً وأنّ عَطاياها جَواهِرُهُ |
لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ | وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ |