ألا من لشوق أنت بالليل ذاكره
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ألا مَنْ لِشَوْقٍ أنتَ باللّيلِ ذاكِرُهْ، | وَإنْسانِ عَيْنٍ ما يُغَمِّضُ عائِرُهْ |
وَرَبْعٍ كجثمانِ الحَمامةِ أدرَجَتْ | عَلَيْهِ الصَّبَا حَتى تَنَكّرَ داثِرُهْ |
بِهِ كُلُّ ذَيّالِ العَشِيّ كَأنّهُ | هِجَانٌ دَعَتْهُ للجُفُورِ فَوادِرُهْ |
خَلا بَعْدَ حَيٍّ صَالحينَ، وَحَلَّهُ | نَعَامُ الحِمَى بَعدَ الجميعِ وَباقِرُهْ |
بمَا قَدْ نَرَى لَيلى، وَلَيْلى مُقِيمَةٌ | بِهِ في خَليطٍ لا تَناثَى حَرَائِرُهْ |
فَغَيّرَ لَيْلى الكَاشِحُونَ، فأصْبَحَتْ | لهَا نَظَرٌ دُوني مُرِيبٌ تَشَازُرُهْ |
أرَاني إذا مَا زُرْتُ لَيْلى وبَعْلَهَا | تَلَوّى مِنَ البَغْضَاءِ دوني مَشافرُهْ |
وَإنْ زُرْتُها يَوْماً فَلَيْسَ بِمُخْلِفي | رَقِيبٌ يَرَاني أوْ عَدُوٌّ أُحَاذِرُهْ |
كَأنّ على ذي الطِّنْءِ، عَيْناً بَصِيرَةً | بمَقْعَدِهِ، أوْ مَنْظرٍ هُوَ نَاظِرُهْ |
يُحَاذِرُ حَتى يَحْسِبَ النّاسَ كلَّهم | مِنَ الخَوْفِ لا تخفى عَلَيهم سرَائرُهْ |
غَدا الحَيُّ مِنْ بَينِ الأُعَيْلامِ بَعدما | جرَى حَدَبُ البُهمى وَهاجتْ أعاصرُهْ |
دعَاهُمْ لسِيفِ البحرِ أوْ بَطنِ حائلٍ | هوىً من نَوى حَيٍّ أُمِرَّتْ مرَايرُهْ |
عَدوْنَ برهنٍ من فؤادي، وَقَد غَدَتْ | بِهِ قَبلَ أترَابِ الجَنوبِ تُماضِرُهْ |
تَذَكّرْتُ أتْرَاب الجَنوبِ وَدُونَها | مَقاطعُ أنْهارٍ دَنَتْ وَقَنَاطِرُهْ |
حَوَارِيّةٌ بَينَ الفُرَاتَينِ دَارُهَا، | لهَا مَقْعَدٌ عالٍ بَرُودٌ هَوَاجِرُهْ |
تَساقَطُ نَفْسِي إثْرَهُنّ، وَقَدْ بَدَا | من الوَجدِ ما أُخفي وَصَدري مُخامِرُهْ |
إذا عَبْرَةٌ وَرّعْتُهَا فَتَكفْكَفَتْ | قَليلاً جَرَتْ أُخْرَى بدَمْعٍ تُبادِرُهْ |
فَلَوْ أنّ عَيْناً مِنْ بُكاءٍ تحَدّرَتْ | دَماً، كانَ دَمعي، إذْ رِدائيَ ساتِرُهْ |
متَى مَا يَمُتْ عَانِيكِ، يالَيْلَ، ثعْليمي | مُصَابةٍ مَا يُسْيدي لِعَانيكِ نَائِرُه |
تَرَيْ خَطَأً ممّا ائتَمَرْتِ وَتَضْمَني | جَرِيرَةَ مَوْلىً لا يُغَمِّضُ ثائِرُهْ |
فَلَمْ يَبْقَ مِنْ عانِيكِ إلاّ بَقِيّةٌ، | شَفاً، كَجَناحِ النّسْرِ مُرّطَ سائِرُهْ |
ألا هلْ للَيْلى في الفِدَاءِ، فَإنّني | أرَى رَهْنَ لَيْلى لا تُبَالي أوَاصِرُهْ |
لعَمرِي لَئن أصْبَحتُ في السّيرِ قاصِداً | لَقَد كانَ يَحلُو لي لعَيْني جائِرُهْ |
لعَمرِي لَئن أصْبَحتُ في السّيرِ قاصِداً | لَقَدَ كانَ يَحلُو لي لعَيْني جائِرُهْ |
وَجَوْنٍ عَلَيْهِ الجَصُّ فيهِ مَرِيضَةٌ، | تَطَلّعُ مِنْهُ النّفسُ وَالموْتُ حاضرُهْ |
حَليلَةُ ذي ألْفَينِ شَيْخٍ يَرَى لَهَا | كَثِيرَ الّذي يُعْطي قَليلاً يُحاقِرُهْ |
نَهَى أهْلَهُ عَنْهَا الّذي يَعْلَمُونَهُ | إلَيها، وَزَالَتْ عَنْ رَجاها ضَرَائرُهْ |
أتَيْتُ لهَا من مُخْتِلٍ كُنْتُ أدّرِي | بهِ الوَحشَ، ما يُخشَى عليّ عَوَاثرُهْ |
فَمَا زِلْتُ حَتى أصْعَدتْني حِبَالُهَا | إلَيْها، وَلَيْلي قَدْ تخَامصَ آخِرُهْ |
فَلَمّا اجْتَمَعْنَا في العَلاليّ، بَيْنَنَا | ذَكيٌّ أتَى من أهلِ دارِينَ تَاجِرُهْ |
نَقَعْتُ غَلِيلَ النّفْسِ إلاّ لُبَانَةً | أبَتْ من فؤادي لمْ تَرِمها ضَمائرُهْ |
فَلَمْ أرَ مَنْزُولاً بِهِ بَعْدَ هَجْعَةٍ | ألَذَّ قِرىً لَوْلا الذي قَدْ نُحاذِرُهْ |
أُحاذِرُ بَوّابَينِ، قَدْ وُكّلابَهَا، | وَأسْمَرَ مِنْ سَاجٍ تَئِطّ مَسامِرُهْ |
فَقُلْتُ لهَا: كَيْفَ النّزُولُ؟ فإنني | أرى اللّيلَ قد وَلّى وَصَوّتَ طائِرُهْ |
فَقَالَتْ: أقاليدُ الرِّتَاجَينِ عِنْدَهُ، | وَطَهْمَانُ بالأبوابِ، كيفَ تُساوِرُهْ |
أبالسّيْفِ أمْ كَيفَ التّسَنّي لمُوثَقٍ، | عَلَيْهِ رَقِيبٌ دائِبُ اللّيْلِ ساهرُهْ |
فَقُلْتُ: ابتٍغي مِنْ غَيرِ ذاكَ مَحالَةً، | وَللأمْرِ هَيْئاتٌ تُصَابُ مَصَادِرُهْ |
لَعلّ الّذي أصْعَدْتِني أنْ يَرُدَّني | إلى الأرْضِ إنْ لمْ يَقدِرِ الحَينَ قادرُهْ |
فَجَاءتْ بِأسْبابٍ طِوَالٍ وأشْرَفَتْ | قَسِيمَةُ ذي زَوْرٍ مَخُوفٍ تَرَاتِرُهْ |
أخَذْتُ بأطْرَافِ الحِبَالِ، وَإنّمَا | على الله مِنْ عَوْصِ الأمورِ مَياسرُهْ |
فَقُلْتُ: اقْعُدا إنّ القِيَامَ مزلّةٌ، | وَشُدّا مَعَاً بِالحَبْلِ . إني مُخاطِرُهْ |
إذا قُلْتُ قَدْ نِلْتُ البَلاطَ تذَبذَبَتْ | حِباليَ في نِيقٍ مَخوفٍ مَخاصِرُهْ |
مُنِيفٍ تَرَى العِقْبَانَ تَقْصُرُ دونَهُ | ودونَ كُبَيْداتِ السّمَاءِ مَناظِرُهْ |
فلمّا استَوَتْ رِجلايَ في الأرْضِ نادتا: | أحَيٌّ يُرَجّى أمْ قَتِيلٌ نُحَاذِرُهْ؟ |
فَقُلْتُ: ارْفَعا الأسبابَ لا يشعرُوا بِنا، | وَوَلّيْتُ في أعْجَازِ لَيْلٍ أُبَادِرُهْ |
هُمَا دَلّتَاني مِنْ ثَمانينَ قَامَةً، | كما انقَضّ بازٍ أقتمُ الرّيشِ كاسرُهْ |
فأصْبحتُ في القوْمِ الجلوسِ، وَأصْبحتْ | مُغلَّقَةً دُوني عَلَيْها دَسَاكِرُهْ |
وَبَاتَتْ كَدَوْداة الجَوَارِي، وَبَعْلُها | كَثيرٌ دَوَاعي بَطْنِهِ وَقَرَاقِرُهْ |
وَيَحسبُها باتَتْ حَصَاناً؛ وَقد جَرَتْ | لَنَا بُرَتَاها بالذي أنَا شَاكِرُهْ |
فَيا رَبِّ إنْ تَغْفِرْ لَنا لَيْلَةَ النَّقَا، | فكُلُّ ذُنُوبي أنتَ يا رَبِّ غَافِرُهْ |