يهون عليها أن أبيت متيما
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يَهُونُ عَلَيْهَا أنْ أبِيتَ مُتَيَّما، | أُعالجُ وَجْداً في الضّمِيرِ مُكَتَّمَا |
وَقد جاوَزَتْ أرْضَ الأَعادِي وأصْبَحَتْ | حِمَى وَصْلِها مذ جاوَرَتْ أبرَقَ الحِمَى |
بكَتْ حُرْقَةً، عندَ الوَدَاعِ، وأرْدفتْ | سُلُوّاً نَهَى الأحْشَاءَ أنْ تَتَضَرّما |
فلَمْ يَبقَ مِنْ مَعْرُوفِها غَيرُ طائِفٍ | مُلِمٍّ بِنَا، وَهْناً، إذا الرّكبُ هَوّما |
يَكادُ وَمِيضُ البَرْقِ عندَ اعتِرَاضِهِ | يُضِيىءُ خَيَالاً جَاءَ مِنْهَا مُسَلِّمَا |
وَلمْ أنْسَهَا، عِندَ الوَداعِ، وَنَثرَها | سَوَابقَ دَمعٍ، أعجَلَتْ أن تُنَظَّمَا |
وَقالتْ: هلِ الفَتحُ بنُ خَاقَانَ مُعقِبٌ | رِضًى، فيَعُودَ الشّملُ منّا مُلأّمَا؟ |
خَليلَيّ! كُفّا اللّوْمَ في فَيْضِ عَبرَةٍ، | أبَى الوَجْدُ إلاّ أنْ تَفيضَ وَتَسجُمَا |
وَلاَ تَعْجَبَا مِنْ فَجعَةِ البَينِ إنّني | وَجَدتُ الهَوَى طَعمَينِ: شهداً وَعَلقَمَا |
عَذيرِي مِنَ الأيّامِ رَنّقْنَ مَشْرَبي، | وَلَقّيتَني نَحْساً منَ الطّيرِ أشْأمَا |
وأكْسَبْنَني سُخطَ امرِىءٍ بتُّ مَوْهِناً | أرَى سُخطَهُ لَيلاً معَ اللّيلِ مُظلِمَا |
تَبَلّجَ عن بَعضِ الرّضَا، وانطَوَى على | بَقِيّةِ عَتْبٍ شَارَفَتْ أنْ تَصَرّما |
إِذا قُلْتُ يَوْماً قَدْ تَجاوَزَ حَدَّهَا | تَلَبَّثَ فِي أَعْقَابِها وتَلَوَّما |
وأصْيَدَ، إنْ نازَعْتُهُ اللّحظَ رَدّهُ | كَليلاً وإنْ راجَعتُهُ القَوْلَ جَمجَمَا |
ثَناهُ العِدى عَنّي، فأصَبحَ مُعْرِضاً، | وأوْهَمَهُ الوَاشُونَ حَتّى تَوَهّما |
وَقَد كَانَ سَهلاً واضِحاً، فتَوَعّرَتْ | رُبَاهُ، وَطَلْقاً ضاحِكاً، فَتَجَهّما |
أمُتّخِذٌ عِندي الإسَاءَةَ مُحسِنٌ، | وَمُنْتَقِمٌ مِنّي امرُؤٌ كَانَ مُنعِمَا |
وَمُكتَسِبٌ في المَلامَةَ ماجِدٌ، | يَرَى الحَمدَ غُنْماً، والمَلاَمَةَ مَغرَمَا |
يُخَوّفُني من سُوءِ رأيِكَ مَعشَرٌ، | وَلاَ خَوْفَ إلاّ أنْ تَجُورَ وَتَظْلِمَا |
أُعِيذُكَ أنْ أخشاكَ من غَيرِ حادِثٍ | تَبَيّنَ، أوْ جُرْمٍ إلَيكَ تَقَدّما |
ألَسْتُ المُوَالي فيكَ نَظْمَ قَصَائِدٍ، | هيَ الأنجُمُ اقتَادَتْ معَ اللّيلِ أنجُمَا |
ثَنَاءٌ كأنّ الرّوْضَ مِنْهُ مُنَوِّراً، | ضُحًى، وكأنّ الوَشيَ فيهِ مُسَهَّمَا |
وَلَوْ أنّني وَقّرْتُ شِعرِي وَقَارَهُ، | وأجلَلْتُ مَدحي فيكَ أنْ يَتَهَضّمَا |
لأكبَرْتُ أنْ أُوْمي إلَيكَ بإصْبَعٍ | تَضَرّعَ، أوْ أُدْني لَمَعذِرَةٍ فَمَا |
وَكَانَ الذي يأتي بهِ الدّهرُ هَيّناً | عَليّ، وَلَوْ كَانَ الحِمَامُ المُقَدَّمَا |
وَلَكِنّني أُعْلي مَحَلّكَ أنْ أُرَى | مُدِلاًّ، وأستَحيِيكَ أنْ أتَعَظّما |
أعِدْ نَظَراً فيما تَسَخّطتَ هل تَرَى | مَقَالاً دَنًّيا، أوْ فَعَالاً مُذَمَّمَا |
رأيتُ العِرَاقَ أَنْكَرَتِنْي، وأقسَمَتْ | عَليّ صُرُوفُ الدّهرِ أنْ أتَشَاءَمَا |
وَكَانَ رَجَائي أنْ أؤوبَ مُمَلَّكاً، | فَصَارَ رَجَائي أنْ أؤوبَ مُسَلَّمَا |
وَما مانعٌ مِمّا تَوَهّمتُ غَيرَ أنْ | تَذَكّرَ بَعضَ الأُنْسِ، أو تتَذمّمَا |
وأكبَرُ ظَنّي أنّكَ المَرْءُ لمْ تَكُنْ | تُحَلّلُ بالظّنّ الذّمامَ المُحَرَّما |
حَيَاءٌ فَلَمْ يَذْهَبْ بي الغَيُّ مَذْهَباً | بَعيداً، ولم أرْكَبْ من الأمرِ مُعظَمَا |
وَلم أعرِفِ الذّنْبَ الذي سُؤتَني لهُ، | فأقتُلَ نَفسِي حَسرَةً، وَتَنَدُّما |
وَلَوْ كَانَ ما خُبّرْتُهُ، أو ظَنَنْتُهُ، | لَمَا كَانَ غَرْواً أنْ ألُومَ وَتُكرِما |
أُذَكّرُكَ العَهْدَ الذي لَيسَ سُؤدَداً | تَناسِيهِ، والوُدَّ الصّحيحَ المُسَلَّما |
وَمَا حَمّلَ الرّكبانُ شَرْقاً وَمَغرِباً، | وأنْجَدَ في أعْلَى البِلادِ وأتْهَمَا |
أُقِرُّ بِما لَمْ أجْنِهِ مُتَنَصِّلاً | إلَيْكَ، على أنّي إخالُكَ ألْوَمَا |
ليَ الذّنْبُ مَعْرُوفاً، وإن كنتُ جاهلاً | بهِ، وَلَكَ العُتْبَى عَلَيّ وأنْعِمَا |
وَمِثْلُكَ إنْ أبْدَى الفَعَالَ أعادَهُ، | وإنْ صَنَعَ المَعرُوفَ زَادَ وَتَمّمَا |
وَمَا النّاسُ إلا عُصْبَتَانِ: فَهَذِهِ | قَرَنْتَ بها بُؤساً، وَهَاتيكَ أنْعُمَا |
وَحِلَّةَ أعْدَاءٍ رَمَيْتَ بِعَزْمَةٍ، | فأضْرَمْتَها ناراً، وأجْرَيْتَهَا دَمَا |