إن الظباء غداة سفح محجر
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
إنّ الظّبَاءَ، غَداةَ سَفحِ مُحَجَّرِ، | هَيّجْنَ حَرّ جَوًى وَفَرْطَ تَذَكُّرِ |
مِن كلّ ساجي الطّرْفِ، أغيدَ أجيدٍ، | وَمُهَفْهَفِ الكَشحَينِ أحوَى أحوَرِ |
أقْبَلْنَ بَينَ أوَانِسٍ مالَ الصّبَا | بِقُلُوبِهِنّ، وَبَينَ حُورٍ نفّرِ |
فَبَعَثْنَ وَجداً للخَليّ، وَزِدْنَ في | بُرَحَاءِ وَجْدِ العاشِقِ المُستَهْتَرِ |
للحُبّ عَهدٌ في فُؤادي لَمْ يَحِنْ | مِنْهُ السّلُوُّ، وَذِمّةٌ لَمْ تُخْفَرِ |
لا أبْتَغي أبداً بسَلْمَى خُلّةً، | فَلْتَقترِبْ بالوَصْلِ، أو فَلْتَهجُرِ |
قَد تَمّ حُسنُ الجَعفَرِيّ، وَلَمْ يَكُنْ | لِيَتِمّ إلاّ بالخَليفَةِ جَعفَرِ |
مَلِكٌ تَبَوّأ خَيرَ دارٍ إقامة | في خَيرِ مَبدى للأنامِ وَمَحضَرِ |
في رَأسِ مُشرِفَةٍ، حَصَاهَا لُؤلُؤٌ، | وَتُرَابُهَا مِسْكٌ، يُشَابُ بعَنبَر |
مُخضَرّةٌ، والغَيثُ لَيسَ بساكِبٍ، | وَمُضِيئَةٌ، واللّيلُ لَيسَ بمُقمِرِ |
ظَهَرَتْ منُخَرَقِ الشَّمالِ، وَجَاوَرَتْ | ظُلَلَ الغَمَامِ الصيبِ المُستغزَرِ |
تَقْديرُ لُطْفِكَ واختِيَارُكَ أغْنَيَا | عَنْ كُلّ مُختَارٍ لَهَا، وَمُقَدِّرِ |
وَسَخَاءُ نَفسِكَ بالّذي بَخُلَتْ بهِ | أيدي المُلُوكِ من التّلادِ الأوّفَرِ |
وَعُلُوّ هِمّتِكَ التي دَلّتْ على | صِغَرِ الكَبيرِ، وَقِلّةِ المُستَكثِرِ |
فَرَفَعْتَ بُنْيَاناً كَأنّ زهَاءَهُ | أعلامُ رَضْوَى، أوْ شَوَاهقُ صَنْبَرِ |
أزْرَى على هِمَمِ المُلوكِ، وَغضّ من | بُنيانِ كِسرَى، في الزّمانِ، وقَيصَرِ |
عَالٍ عَلى لَحْظِ العُيُونِ، كَأنّمَا | يَنظُرْنَ مِنهُ إلى بَيَاضِ المُشتَرِي |
بَانِيهِ بَاني المَكْرُمَاتِ، وَرَبُّهُ | رَبُّ الأخاشِبِ، والصّفَا، والمَشعَرِ |
مَلأتْ جَوَانِبُهُ الفَضَاءَ، وَعَانَقَتْ | شُرُفَاتُهُ قِطَعَ السّحَابِ المُمطِرِ |
وَتَسيرُ دِجْلَةُ تَحْتَهُ، فَفِنَاؤهُ | منْ لُجّةٍ غَمرٍ، وَرَوضٍ أخضَرِ |
شَجَرٌ تُلاعِبُهُ الرّيَاحُ، فتَنثَنِي | أعْطَافُهُ في سَائِحٍ مُتَفَجّرِ |
فَاسْلَمْ أميرَ المُؤمِنينَ، مُسَرْبَلاً | سِرْبَالَ مَنْصُورِ اليَدَينِ، مُظَفَّرِ |
وَأستَأنِفِ العُمْرَ الجَديدَ ببَهجَةِ | القَصْرِ الجَديدِ، وَحُسنِهِ المُتَخَيَّرِ |
أعطَيتَهُ مَحضَ الهَوى، وَخَصَصْتَهُ | بصَفَاءِ وِدٍّ منكَ، غَيرِ مُكَدَّرِ |
ألله أعطاكَ المَحَبّةَ في الوَرَى، | وَحَبَاكَ بالفَضْلِ، الذي لم يُنْكَرِ |
وَاسْمٍ شَقَقْتُ لَهُ من اسمكَ فاكتَسى | شَرَفَ العُلُوّ بهِ، وَفَضْلَ المَفخَرِ |
خَفَتَ الغُبَارُ، وَقد غلَوْتَ تُرِيدُهُ، | وَسَرَى الغَمَامُ بِوَابِلٍ مثعنَجِّرِ |
وَتَحَلّتِ الدّنْيَا بأحسَنِ حَلْيِهَا، | وغدَتْ بوَجْهٍ ضَاحِكٍ مُستَبشِرِ |
قَدْ جِئْتُهُ، فنَزَلتُ أيْمَنَ مَنزِلٍ، | ورأيْتُهُ، فَرَأيتُ أحْسنَ مَنظَرِ |
فاعْمُرْهُ بالعُمْرِ الطّويلِ، وَنِعمَةٍ | تَبقَى بَشَاشَتُهَا بَقَاءَ الأعْصُرِ |