تقضى الصبا إلا تلوم راحل
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
تَقَضّى الصّبَا، إلاّ تَلَوّمَ رَاحِلِ، | وَأغنى المَشيبُ عَنْ مَلامِ العَوَاذِلِ |
وَتأبَى صُروفُ الدّهرِ، سوداً شخوصُها، | على البِيضِ أنْ يحظَينَ منّي بطائِلِ |
يُحَاوِلْنَ مِنِّي صَبْوَةً، وَإخالُني | على شُغُلٍ، ممّا يُحاوِلنَ، شاغِلِ |
رَميُّ رَزَايا صَائِباتٍ، كأنّني | لِمَا أشتَكي مِنْهَا رَميُّ جَنَادِلِ |
أعُدُّ أجَلَّ النّائِبَاتِ مَجِيعََةً، | وُفُورَ الرّزَايا، وَانثِلامَ الأماثِلِ |
أعَنْ دُوَلٍ في العُصْبَتَينِ تَعَاقَبَتْ، | فَمَا نَقَلَ الحلاتِ نَقْلَ التّداوُلِ |
وَلَوْلا اهتِمامي بالعُلا وَانعِكاسِها، | لمَا ارْتَعْتُ ذُعْراً مِنْ تَعَلّي الأسافلِ |
أمَا قَائِلٌ للشّاهِ، وَالشّاهُ غُرَّةٌ | مُخبِّرَةٌ عَنْ مُلْكِ غَرْشٍ وَكابُلِ |
أطِلْ جَفوَةَ الدّنيا وَتَهوِينَ شأنِها، | فَما العاقِلُ المَغرُورُ مِنهَا بِعَاقِلِ |
يُرَجّي الخُلُودَ مَعشَرٌ ضَلّ سَعْيُهُمْ، | وَدونَ الذي يَرْجُونَ غَوْلُ الغَوائلِ |
وَلَيسَ الأماني في البَقاءِ، وَإنْ مضَتْ | بها عَادَةٌ، إلاّ أحاديثُ بَاطِلِ |
إذا ما حَرِيزُ القَوْمِ باتَ، وَمَا لَهُ | مِنَ الله وَاقٍ، فَهْوَ بَادي المَقاتِلِ |
وَما المُفلِتونَ، أجملَ الدّهرُ فيهِمِ، | بأكثَرَ مِنْ أعدادِ مَنْ في الحَبائلِ |
يُسَارُ بِنَا قَصْدَ المَنُونِ، وَإنّنَا | لَنَشْعَفُ أحْيَاناً بِطَيّ المَرَاحِلِ |
عِجَالاً مِنَ الدّنْيَا بأسرَعِ سَعْيِنَا | إلى آجِلٍ مِنْهَا، شَبيهٍ بِعَاجِلِ |
أوَاخِرُ مِنْ عَيشٍ، إذا ما امتَحَنتَها | تأمّلْتَ أمْثَالاً لهَا في الأوَائِلِ |
وَما عامُكَ المَاضِي، وَإن أفرَطتْ بهِ | عَجائِبُهُ، إلاّ أخُو عامِ قَابِلِ |
غَفِلْنَا عَنِ الأيّامِ أطوَعَ غَفلَةٍ، | وَما خَوْنُهَا المَخشِيُّ عَنّا بِغافِلِ |
تَغَلْغَلَ رُوّادُ الفَنَاءِ، وَنَقّبَتْ | دَوَاعي المَنُونِ عَن جَوَادٍ وَباخِلِ |
وَما فَدَحَتْنَا نَكْبَةٌ، كافِتقادِنَا | أبَا الفَضْلِ نَجلَ الأكرَمينَ الأفاضِلِ |
شَبَبْنَا لَهُ نَارَ الجَوَى، وَجَرَتْ لَنا | عَلَيْهِ أساكيبُ الدّموعِ الهَوَامِلِ |
وَلمْ نُعْطِهِ حَقّ الغَرَامِ، وَلم نكُنْ | لنَبْلُغَ مَفْرُوضَ الأسَى بالنّوَافِلِ |
وَلِيُّ هُدَى سَفْرٍ إلى المَجْدِ سَائِرٍ، | وَقائدُ زَحْفٍ، لِلْخُطُوبِ مُقَاتِلِ |
يُؤمَّلُ للخَيرِ الكَثيرِ، إذا نَبَتْ | خَلائِقُ أصْحَابِ الخُيُورِ القَلائِلِ |
متى اشتَبَهوا مَرْأًى على العَينِ أعرَبَتْ | شَمائِلُ مِنْ خِرْقٍ، غَرِيبِ الشّمائلِ |
إذا طَلَعَتْ منهُ شَذاةٌ على العِدَى | أرَتْ أنّ بُغْثَ الطّيرِ صَيدُ الأجادِلِ |
وَيَكْفي مِنَ الرّمْحِ المُبِرّ بِطُولِهِ | بَلاغُ الحِمامِ، مِن سِنانٍ وَعامِلِ |
زَعيمُ بَني ميكالَ، حَيثُ تَكامَلوا، | وَكانَ ابتِداءَ النّقصِ فَرْطُ التّكاملِ |
أخُو إخوَةٍ، ما كان محْمودُ سَعيهمْ | بِوَانٍ عنِ الحُسنى، وَلا بمُوَاكِلِ |
بَني أحْوِذِِيٍّ، يَغمُرُ السّيفَ وافِياً | ببَسطَتِه، وَالسّيفُ وَافي الحَمائِلِ |
تَضِيقُ الدّرُوعُ التُّبّعيّاتُ مِنْهُمُ، | على كلّ رَحبِ البَاعِ، سَبطِ الأناملِ |
عَرَاعِرُ قوْمٍ، يَسكنُ الثّغرُ، إن مَشوْا | عَلى أرْضِهِ، وَالثّغْرُ جَمُّ الزّلازِلِ |
فَكَمْ فيهِمِ مِنْ مُنْعِمٍ مُتَطَوِّلٍ | بآلائِهِ، أوْ مُشرِفٍ مُتَطَاوِلِ |
إذا سُئِلُوا جاءَتْ سُيُولُ أكُفّهمْ، | نَطائرَ جُمّاتِ التّلاعِ السّوَائِلِ |
يَقولونَ مَنْ أُرْضِي، وَلا تَرْض قَائلاً | إذا لم يَكُنْ في القَوْمِ أوّلَ فاعِلِ |
خَليقُونَ، سُرّوا أنْ تُلينَ أكُفُّهُمْ | عَرَائِكَ أحداثِ الزّمَانِ الجَلائِلِ |
وَمَا زَالَ لَحْظُ الرّاغِبينَ مُعَلَّقاً | إلى قَمَرٍ مِنهُمْ، رَفيعِ المَنَازِلِ |
أبَا غانِمٍ! لا تَبرَحَنْ غُنْمَ آمِلٍ، | تَأَمَّل نُجْحاً، أوْ مُعَوَّلَ عَائِلِ |
دَعَوْتُ بِكَ َالحاجاتِ أمسِ، فطَبّقَتْ | مَضَارِبُ مأثُورِ الغِرَارَينِ قَاصِلِ |
وَلَوْ تُنصِفُ الأقدارُ كانَتْ مَطالبي | إلَيكَ، وَكَانَ الآخَرُونَ وَسَائِلي |