حلفت لها بالله يوم التفرق
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حَلَفْتُ لهَا بالله، يَوْمَ التّفَرّقِ، | وَبالوَجْدِ مِنْ قَلبي بِها المُتَعَلِّقِ |
وَبالعَهْدِ ما البَذْلُ القَليلُ بضَائعٍ | لَدَيّ، ولا العَهدُ القَديمُ بمُخلِقِ |
وأبثَثْتُها شكوَى أبانَتْ عنِ الجَوَى، | وَدَمعاً متَىَ يَشهَدْ بِبَثٍّ يُصَدَّقِ |
وَإنّي لأخشاها عَليّ، إذا بَنتْ، | وَأخشَى عَلَيْهَا الكاشِحِينَ وأتّقي |
وإنّي، وإنْ ضَنّتْ عليّ بِوُدّها، | لأرْتَاحُ مِنْهَا للخَيَالِ المُؤرِّقِ |
يَعزُّ عَلَى الوَاشِينَ، لَوْ يَعْلَمُونَها، | لَيَالٍ لَنَا نَزْدادُ فيها، وَنَلْتَقي |
فَكَمْ غُلّةٍ للشّوْقِ أطْفأتُ حَرّها | بطَيفٍ متى يَطرُقْ دُجَى اللّيلِ يَطرُقِ |
أضُمُّ عَلَيْهِ جَفْنَ عَيْني تَعَلّقاً | بِهِ، عندَ إجلاءِ النّعاسِ المُرَنِّقِ |
أجِدَّكَ! ما وَصْلُ الغَوَاني بمَطمَعٍ، | ولا القَلْبُ من رِقّ الغَوَانِي بِمُعْتَقِ |
وَدِدْتُ بَيَاضَ السّيفِ يَوْمَ لَقَينَني | مَكانَ بَيَاضِ الشَّيبِ كَانَ بمَفْرِقِي |
وَصَدَّ الغَوَاني عِندَ إيمَاضِ لِمّتي، | وَقَصّرْنَ عَن لَبّيكَ ساعةَ مَنطقي |
إذا شِئْتَ ألاّ تعذُلَ الدّهرَ عاشِقاً | عَلى كَمَدٍ من لَوْعَةِ الحُبّ فاعشَقِ |
وَكُنتُ متى أبْعُدْ عنِ الخُلِّ أكتَئبْ | لَهُ، ومَتى أظعَنْ عَنِ الدّارِ أشْتَقِ |
تَلَفّتُّ مِن عُلْيَا دِمَشقَ، ودونَنَا | للُبْنَانَ هَضْبٌ كالغَمامِ المُعَلَّقِ |
إلى الحِيرَةِ البَيْضَاءِ فالكَرخِ بَعدَما | ذَمَمتُ مَقامي بينَ بُصرَى وَجِلِّقِ |
إلى مَعْقِلَيْ عزّي وَدَارَي إقَامَتي، | وَقَصْدِ التفَاتي في الهَوَى، وَتَشَوُّقي |
مَقَاصِيرُ مَلْكٍ أقْبَلَتْ بوُجوهِهَا، | إِلى مَنظَرٍ من عَرْضِ دِجلَةَ مُونقِ |
كأنّ الرّياضَ الحُوَّ يُكسَينَ حَوْلَها | أفَانينَ من أفْوَافِ وَشْيٍ مُلَفَّقِ |
إذا الرّيحُ هَزّتْ نَوْرَهُنّ تَضَوّعَتْ | رَوَائِحُهُ مِنْ فَارِ مِسْكٍ مُفَتَّقِ |
كأنّ القِبَابَ البِيضَ، والشّمسُ طلقَةٌ | تُضَاحِكُها، أنْصَافُ بَيضٍ مفََّلَّقِ |
وَمنْ شَرَفَاتٍ في السّماءِ، كَأنّها | قَوَادِمُ بِيضَانِ الحَمامِ المُحَلِّقِ |
رِبَاعٌ منَ الفَتْحِ بنِ خَاقَانِ لم تزَلْ | غنًى لعَديمٍ، أو فِكاكاً لمُوْثَِقِ |
فَلا الهاربُ اللاّجي إلَيها بمُسْلَمٍ، | ولا الطّالِبُ المُمْتَاحُ منهَا بمُخفِقِ |
يَحُلُّ بهَا خِرْقٌ، كأنّ عَطَاءَهُ | تَلاَحُقُ سَيلِ الدِّيمَةِ المتُخَرِقِ |
تَدَفُّقُ كَفٍّ بالسّماحةِ ثَرّةٍ، | وإسْفَارُ وَجْهِ بالطّلاَقَةِ مُشرِقِ |
تَوَالَتْ أيَادِيهِ عَلَى النّاسِ، فاكَتَفى | بها كُلُّ حَيٍّ مِنْ شآمٍ وَمُعْرِقِ |
فكَمْ حَقَنَتْ في تُغلِبَ الغُلبِ من دمٍ | مُبَاحٍ، وأدْنَتْ مِن شَتِيتٍ مُفَرَّقِ |
وَكم نفّستْ في حِمصَ من مُتَأسِّفٍ، | غَدا المَوْتُ مِنهُ آخِذاً بالمُخَنَّقِ |
وقدْ قَطَعتْ عَرْضَ الأُرُندِ إلَيهمُ، | كَتائبُ تُزجَى فَيْلَقاً بَعدَ فَيْلَقِ |
بهِ استأنَفُوا بَرْدَ الحَياةِ، وأُسنِدُوا | إلى ظِلّ فَيْنَانٍ من العَيشِ، مُورِقِ |
فَشُكراً بَني كَهلانَ للمُنعِمِ الذي | أتَاحَ لَكُمْ رأيَ الإمامِ المُوَفَّقِ |
ثَنى عَنكُمُ زَحفَ الخِلاَفَةِ بَعدَما | أضَاءَتْ بُرُوقُ العَارِضِ المُتَألِّقِ |
وَقد شُهرَتْ بِيضُ السّيُوفِ وأعرَضَتْ | صُدُورُ المَذاكي من كُمَيتٍ وأبْلَقِ |
هُنالِكَ لَوْ لَمْ يفْْتُلتْكُمْ حُمِلْتُمُ | على مثلِ صَدرِ اللَّهْذَميّ المُذَلَّقِ |
فَلا تَكْفُرُنّ الفَتْحَ آلاءَ مُنْعِمٍ، | نجوْتُمْ بها من لاحجِ القُطرِ ضَيّقِ |
وَعُودُوا لهُ بالشّكرِ منكُمْ يَعُدْ لكمْ | بسَيْبِ جَوَادٍ، باللُّهَى مُتَدَفِّقِ |
لَهُ خُلُقٌ في الجُودِ لا يَسْتَطِيعُهُ | رِجَالٌ، يَرُومُونَ العُلاَ بالتَخَلّقِ |
إذا جَهِلُوا من أينَ تَحتَضِرُ العُلاَ، | دَرَى كَيفَ يَسمُو في ذُرَاها وَيَرْتَقي |
أطَلّ على الأعداءِ مِنْ كُلّ وِجْهَةٍ، | وَشَارَفَهُمْ من كلّ غَرْبٍ وَمَشرِقِ |
بِبِيضٍ مَتى تُشهَرْ عَلى القَوْمِ يُغْلَبُوا، | وَخَيلٍ متى تُرْكَضْ إلى النّصرِ تَسبقِ |
أُعِينَ بَنُو العَبّاسِ مِنهُ بِصَارِمٍ | جِرَازٍ، وَعَزْمٍ كالشّهَابِ المُحَرِّقِ |
وَصَدْرٍ أمِينِ الغَيْبِ يُهْدِي إلَيْهِمِ | نَصِيحَةَ حَرّانِ الجَوَانِحِ مُشْفِقِ |
فَحَوْلَهُمُ مِنْ نَضْحِهِ وَدِفَاعِهِ | تَكَهُّفُ طَوْدٍ بالخِلاَفَةِ مُحْدِقِ |
رأيتُكَ مَنْ يَطلُبْ مَحَلّكَ يَنصَرِفْ | ذَميماً، وَمَنْ يَطلُبْ بسَعيِكَ يَلحَقِ |
لكَ الفَضْلُ والنُّعمَى عَليّ مُبينَةٌ، | وَمَا ليَ إلاّ وُدُّ صَدْرِي وَمَنْطِقِي |