لا يَخدعنَّكَ صِحة ٌ ويَسارُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لا يَخدعنَّكَ صِحة ٌ ويَسارُ | ما لا يدومُ عليكَ فهوَ معارُ |
يغشى الفتى حُبَّ الحياة ِ وزينة َ الـ | ـدنيا وينسى ما إليهِ يصارُ |
وإذا البصائرُ عن طرائق رشدها | عميتْ فماذا تنفعُ الأبصارُ |
لا تغترر بالدهرِ إنْ وافاكَ | حالٍ يسرُّكَ إنّهُ غرَّارُ |
انظرْ إلى من كانَ قبلكَ واعتبرْ | ستصيرُ عن كَثَبٍ إِلى ما صاروا |
فيزول عنك جميعُ ما أوتيتَ في الـ | ـدنيا ولو زويتْ لكَ الأمصارُ |
تزارُ الكرامُ ولا كرزءِ عشيرة ٍ | فجمعتْ بمن منهم إليهِ يشارُ |
أو أرتجي خِلاً سِواكَ أَبثُّه | وسقى ضريحكَ وابلٌ مدرارُ |
حتى تُرى جَنَباتُ قبركَ روضة ً | مخضرَّة َ ويحفُّهُ النُّوارُ |
أَبكي عليكَ ولو وفتْ لك أدمعي | لتعجبتْ من مَدّها الأنهارُ |
يا بدرُ كنتَ لنا اليمينَ وما عسى | تُغني إِذا مَضَتِ اليمينُ يسارُ |
يا بدرُ ضاقَ بكَ الضريحُ وطالما | ضاقتْ على عزماتكَ الأقطارُ |
أَعززْ عليَّ بأنْ يضيقَ بكَ الثرى | ويميلَ عن عرصاتكَ الزوَّارُ |
قد كنتَ ذخراً للملوكِ وعمدة ً | فبرأيكَ الإيرادُ والإصدارُ |
ولكم برأيكَ من ورائكَ قد سرى | نحوَ الأعادي جحفلٌ جرَّارُ |
ومن العجائبِ أنَّ بدراً كاملاً | يعتادهُ عندَ التمامِ سرارُ |
كان الجوادَ بما حوى وقد استوى | في مالِه الإِقلالُ والإِكثارُ |
صافي أديمِ العرضِ لا يْنأى الندى | عنه ولا يدنو إِليه العارُ |
من أسرة ٍ عربية ٍ جاءتْ بهِ | عربية ٌ آباؤها أحرارُ |
لم يُغْذَ مِن لبنِ الإِماءِ ولم تُحِلْ | أخلاقه عن طبعهِ الأظآرُ |
قد كان إِنْ خفَّتْ حلومُ ذوي النهى | للهَول فيه رَزانة ٌ ووَقارُ |
يا بدرُ لو أبصرتُ بعدكَ حالنا | لشجاكَ ما جاءتْ بهِ الأقدارُ |
سُرَّتْ أعادينا وأَدركَ حاسدٌ | فينا مناهُ وقلَّتِ الأنصارُ |
كنا نُخافَ ويرتجي إِحسانَنا | أعداؤنا ويعزُّ فينا الجارُ |
ما العيشُ بعدكً بالهنيء ولو صفتْ | فيه الحياة ُ ولا الديارُ ديارُ |
هيهاتَ أن يلتذَّ جفني بالكَرى | من بعدِ فقدكَ أو يقرَّ قَرارُ |
الشكوى وتحفظُ عندهُ الأسرارُ | |
غدرَ الزمانُ بنا ففرَّقَ بيننا | إنَّ الزمانَ بأهلهِ غدَّارُ |
لو أنَّ قلبَ الموتِ رقَّ لهالكٍ | لشجاهُ أطفالٌ وراكَ صغارُ |
لم يكفِ صرفَ الدهر دفنُك في الثرى | حتى نأتْ بكَ عن دمشقَ الدارُ |
ما أنصفَ الدهرُ المفرّقُ بيننا | أفبعدَ موتٍ نقلة ٌ وسفارُ |