هل يتحقق التضامن الإسلامي؟
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
هل يتحقق التضامن الإسلامي؟الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
بحمد الله تعالى تمَّ عَقد المؤتمر العالَمي الثَّاني لتوجيه الدَّعوة وإعداد الدُّعاة بمقرِّ الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنورة؛ وذلك خلال المدَّة من 28 إلى 30 ربيع الأول 1404هـ الموافق 1 إلى 3 يناير 1984.
وموضوعه هو: سبيل الدَّعوة الإسلاميَّة إلى التضامن الإسلامي ووَحْدة المسلمين.
أمَّا أهداف المؤتمر فكانت:
1.
تبصير الأمَّة الإسلاميَّة بالطَّريق الذي رسمَته الدعوة لتحقيق الوحدة؛ لتعود كما كانت، وكما يريد لها دينُها أن تكون: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [الأنبياء: 92].
2.
تَعميق الانتماء والوَلاء للأمَّة الواحدة عقيدةً وسلوكًا، والتجاوب مع مقوماتها؛ مِن الأخوَّة والولاية والتضامن، والاعتزاز بما اختصَّها الله به من الخيريَّة والوسطيَّة والشاهديَّة؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
3.
إيجاد رأيٍ عام إسلاميٍّ، يَعي عن إيمان وبصيرة - على هَدي الكتاب والسنَّة - حقيقةَ التضامُن والوحدةِ، ويربط حركته بهما في كلِّ جوانب الحياة واتِّجاهاتها.
4.
تحكيم شَريعة الله بين جميعِ المسلمين، والتسليم بما تَحكم به.
هذا، وقد شارَك في المؤتمر كبارُ العلماء ودعاة المسلمين، والمؤسَّسات العالمية والإسلاميَّة في مختلِف أنحاء العالم؛ حيث بلغ عدد البحوث التي عُرضَت في هذا المؤتمر ستة وثلاثين بحثًا.
وقد صدرَت عن المؤتمر عدَّةُ توصيات، أهمها:
1.
إنشاء مَجلس عالَمي للدَّعوة الإسلاميَّة، يُعنى بشؤون الدَّعوة والدعاة، ويرسم سياستَها بالطَّريقة التي تَكفل لها النَّجاح؛ على أن تتولَّى رابطة العالَم الإسلامي بمكَّة المكرمة مهمَّة إنشاء المجلس.
2.
التأكيد على تَرسيخ العقيدة الإسلاميَّة على أساسٍ من العلم واليقين.
3.
الدَّعوة إلى تَطبيق الشريعة الإسلاميَّة؛ توفيرًا للأمن، والرَّخاء، والاستقرار بين الناس.
4.
قيام الجامعات والهيئات العلميَّة والدينيَّة المتخصصة في الأقطار الإسلاميَّة بالتعاوُن في مجال البحوث والدِّراسات المتطورة؛ لتحقيق التقدُّم المنشود للأمَّة الإسلامية.
5.
العمل على تَحقيق التضامُن الإسلامي ووحدَة المسلمين، وأن يركَّز على ذلك في مناهج الثَّقافة الإسلاميَّة في مختلف مراحل التعليم.
6.
قيام هيئات الدَّعوة الإسلاميَّة - بالتعاون مع الجامعات - بجهود نشِطة في دراسة أَوضاع المسلمين، وبيان سُبل إصلاح ما يتطلَّب الإصلاح.
ومشاركةً منَّا في إبداء الرَّأي في هذه القضيَّة؛ فإنَّنا نقول: إنَّ العالَم الإسلامي لو عرَف أسبابَ الداء لاستطاع أن يَعرِف الطريقَ إلى العلاج؛ فلو عرَف المسلمون أسبابَ ضعفهم وتفكُّكِهم لأَمكنهم بعد ذلك أن يَعرفوا الطريقَ إلى تَحقيق التضامن الإسلاميِّ والوحدة الإسلاميَّة؛ بحيث يكونون قوَّة مؤثِّرة في سير أحداث هذا العالم.
ولعلَّ مِن أول أسباب ضَعف المسلمين ما أُدخل على دِينهم في مختلف العصور من عقائدَ غريبة؛ مزَّقَت شملَهم، وفرَّقَت كلمتَهم، وجعلتهم شِيَعًا وأحزابًا، لا عمَل لهم إلَّا الجدلُ في العقائد الدينية؛ هذا من الجبريَّة، وذلك من المعتزلة، وآخر من الجهميَّة، وغيره شيعيٌّ، أو صوفيٌّ...
إلى آخر ما هو معروف عن هذه الفِرَق التي ما زالَت جذورها ممتدَّة إلى أيامنا هذه التي نَعيشها، فِرَق متناحِرة كلٌّ مِنها يَعتبر نفسَه أنَّه وحده على الحقِّ، وأنَّ الآخرين في ضلال!
وهذه العقائد الغريبة عن الإسلام، والأفكارُ التي مزَّقَت شملَ المسلمين؛ منها ما جَعَل الدِّين لهوًا ولعبًا ورقصًا، ومنها ما أَدخل على الدِّين بِدَعًا وخرافات ما أنزل الله بها من سُلطانٍ، ومنها ما جاء في صورة شِركٍ صريحٍ أو خفيٍّ، تسرَّب إلى عقائد العامَّة بعد أن روَّج له بعضُ المحسوبين على العلم.
كما لا نَنسى الأحاديث المكذوبة والموضوعة التي أدَّت دَورها في تفكُّك المسلمين؛ بإفساد عقائدهم، حتى استغرق الكثيرون في الشِّرك أو الجهلِ وارتاحوا إليه، وانحلَّت الرَّوابط الدينيَّة.
وكذلك ما آلَ إليه حالُ المسلمين حين نَظروا إلى دِينهم نظرةً كهنوتيَّة، فجعلوه مسؤوليَّة أصحاب العمائم وحدَهم، ولم يصبَغوا حياتَهم بالصِّبغة الإسلاميَّة؛ بل اكتفَوا من الدِّين بطقوسٍ معيَّنة يؤدُّونها، ثمَّ بعد ذلك لهم أن يَفعلوا ما يشاؤون طالَما قد انتهوا من طقوسِهم.
أضِف إلى هذا ضياع الشخصيَّة الإسلاميَّة؛ نتيجة إعجاب المسلمين بالمدَنيَّة الغربيَّة المزعومة، وتقليدهم للغَرب في سلوكه ومعاملاته، كما تطرَّق الضَّعفُ إلى العِلم؛ فأصبح المسلمون عيالًا فيه يتطفَّلون على موائد الغرب، بعد أن كان أسلافهم هم أصحابَ الرِّيادة في كلِّ المجالات والميادين العلميَّة.
وطريق العلاج من كل هذه الأدواء يتلخَّص في العودة إلى الكتاب والسنَّة؛ فإنَّ العملَ بهما حفظٌ لكيان الإسلام، فإذا كان القرآن والسنَّة هما الدعامتين القويتَين اللَّتين يقوم عليهما بناءُ الإسلام، فلا عجب أن يتقوَّض ذلك البِناء إذا ما تَرك أهلُه هاتين الدعامتين.
العلاج إذًا يكون بالعودة في استقاء الدِّين من نَبعَيه الصَّافيَين الكتاب والسنَّة؛ بمعنى أن نَخرج من هذه البَلْبَلة الدينيَّة بتحكيم الكتاب والسنَّة بين هذا الخضمِّ المتلاطِم من المذاهب والآراء، وقد يَستلزم هذا الإشارةَ إلى ما في كُتب التفسير من ضلالاتٍ وانحرافات، كما يتطلَّب تصفية تراثِ الحديث النَّبوي ممَّا خالَطَه من الأحاديث المَكذوبة أو الضَّعيفة أو الشاذَّة؛ حتى تَبقى لنا الأحاديث الصَّحيحة التي يُمكن الاعتماد عليها.
وإنَّنا على يقينٍ من أنَّ المسلمين لو صحَّحوا مسارَهم الديني - ليكون ملتزمًا بالكتاب والسنَّة التزامًا كاملًا - لأَصبحوا أمَّةً قويَّة متماسكة؛ ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118، 119].
وما علينا لكي نَأخذ بالكتاب والسنَّة إلَّا أن نتذكَّر قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ((...
وستَفترِق أمَّتي إلى ثلاث وسبعين فِرقة؛ كلُّها في النَّار إلَّا فرقة واحدة))، قيل: مَن هي يا رسولَ الله؟ قال: ((التي تكون على مِثل ما أنا عليه اليوم وأَصحابي)).
وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه