أَثِرْها فلا ماءً أصابت ولا عُشبا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أَثِرْها فلا ماءً أصابت ولا عُشبا | وقد مُلِئَتْ أَحْشاءُ رُكْبانِها رُعْبا |
ونحنُ بِحَيثُ الذِّئْبُ يَشكو ضَلالِهُ | إلى النَّجْمِ، والسّاري يَسوفُ بِهِ التُّرْبا |
نُحاذِرُ مِنْ حَيَّيْ سُلًيْمٍ وَعَامِرٍ | أَناسيَّ لا يَرْضَوْنَ غيرَ الظُّبا صَحْبا |
إذا خَلَّفَتْ بَطْحاءَ نَجْدٍ وراءَها | فلسنا بِمَنّاعِينَ أن تَقِفَ الرَّكْبا |
فأَينَ وَمِثلي لا يَغُشُّكَ، ماجِدٌ | نَصولُ بِهِ كالعَضْبِ مُحْتَضِاً عضْبا |
لَهُ هَمَّة ٌ غَيْري على المَجْدِ بَرَّحَتْ | بِنَفسٍ على الأيّامِ مِنْ تيهها غَضى |
وإن يَكُ في نَجْديِّ قَيسٍ بَسَالة ٌ | فإنِّي ابنُ أرضٍ تُنْبِتُ البَطَلَ النَّدبا |
يَعُدُّ إباءَ الضَّيْمِ كِبْراً، وطالما | أَبينا فلم نَعْثُر بِأَذيالنا عُجبا |
ولكنّنا في مَهْمَة ٍ تُعْجِلُ الخُطا | على وَجَلِ، هُوجُ الريَّاحِ به نُكبا |
إذا طالَعَتنا مِنْ قُرَيْشٍ عِصابة ٌ | وَشافَهْنَ من أَعْلامِ مَكَّتِها هَضْبا |
نَزَلْنَ مِنَ الوادي المُقَدَّسِ تُربُهُ | بِآمِنِهِ سِرْباً وَأَعْذَبِهِ شِرْبا |
وفي الرَّكْبِ منْ يَهوى العُذَيْبَ ومَاءَهُ | وَيُضِمرُ أحياناً على أَهْلِهِ عَتبا |
وَيَصْبو إلى واديهِ والرَّوْضُ باسِمٌ | يُغازِلُهُ عافي النَّسيمِ إذا هَبّا |
ووَاللهِ لولا حُبُّ ظَمياءَ لم يَعُجْ | عَليهِ، ولم يَعرِف كِلاباً ولا كَعَبا |
وما أُمُّ ساجي الطَّرْفِ مالَ بِهِ الكَرى | على عَذَباتِ الجزعِ تَحسَبُهُ قُلبا |
تُراعي بإحدى مُقْلَتَيْها كِناسَها | وَتَرْمي بِأُخْرى نَحْوَهُ نَظَراً غَرْبا |
فَلاحَ لَها مِنْ جانِبِ الرَّمْلِ مَرْتَعٌ | كَأَنَّ الرَّبيعَ الطَّلْقَ ألبَسَهُ عَصْبا |
فَمالَت إليهِ، وَالحَريصُ إذا عَدَت | بهِِ طَورَهُ الأطماعُ لم يَحْمَد العُقْبى |
وَآنَسَها المَرْعى الأنيقُ وَصادَفَتْ | مدى العينِ في أرجائه بلداً خصبا |
فَلَمّا قَضَتْ مِنْهُ اللُّبانَة َ راجَعَتْ | طَلاها ، فَأَلْفَتْهُ قَضى بَعْدَها نَحْبا |
أُتيحَ لَها عاري السَّواعِدِ لَمْ يَزَلْ | يَخوضُ إِلى أَوْطارِهِ مَطْلَباً صَعْبا |
فولَّتْ على ذعرٍ وبالنِّفسِ ما بها | من الكربِ لا لقيِّتُ في حادثٍ كربا |
بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ عَجَّتْ رِكابُها | لِبَيْنٍ فَلَمْ تَتْرُكْ لِذي صَبْوَة ٍ لُبّا |
وَما أَنسَ لا أَنسَ الوَداعَ وَقد بدَت | تُغَيِّضُ دَمْعاً فاضَ وابِلُهُ سَكْبا |
مُهَفْهَفَة ٌ لم تَرْضَ أَتْرابُها لَها | بِبَدْرِ الدُّجى شِبْهاً ، وَشَمْسِ الضُّحى تِرْبا |
تَنَفَّسُ حتّى يُسلِمَ العِقْدَ سِلْكُهُ | وَأَكْظِمُ وَجْداً كادَ يَنْتَزِعُ الخِلْبا |
وَتُذري شَآبيبَ الدُّموعِ كَأَنَّما | أَذابَتْ بِعَيْنَيْها النَّوى لُؤْلُؤاً رَطْبا |
وما كُنتُ أَخشى أَنْ أُراعَ لحادِثٍ | مِنَ الدَّهْرِ ، أَوْ أَشْكو إِلى أَهْلِهِ خَطْبا |
وَقَدْ زُرتُ من أفناءِ سَعدٍ وَمالكٍ | ضَراغِمَة ً تُغرى ، كِنانيَّة ً غَلبا |
مِنَ القَوْمِ يُزْجِي الرّاغِبونَ إِلَيْهِمُ | على نَصَبِ المَسْرى ، غُرَيريَّة ً صُهبا |
لَهُمْ نَسَبٌ رَفَّـْت عليهمْ فُروعُهُ | وَبَوَّأَهُمْ مِنْ خِنْدِفٍ كَنَفاً رَحبا |
إذا ذَكَروهُ أَضمَرَ العُجْمُ إحنة ً | عليهمْ ، وَأَصْلى جَمْرَة َ الحَسَدِ العُرْبا |
وَإنْ سِئلوا عَمَّنْ يُديرُ على العِدا | رَحى الحَرْبِ فيهم أَو يكونُ لَها قُطبا |
أشاروا بِأَيديهم إلى خَيرهِمْ أَباً | وأَطوَلِهم باعاً، وَأرحَبِهم شَعبا |
إلى مُدلِجيِّ رَدَّ عن آلِ جَعفَرٍ | صُدورَ القَنا وَالجُردَ شازِبَة ً قُبّا |
وقابَلَ بِالحُسنى إساءَة َ مُجرِمٍ | فَودَّ بَريءُ القَومِ أَنَّ لهُ ذَنبا |
تُراقُ دِماءُ الكُومِ حَوْلَ قِبابِهِ | إِذا راحَ شَوْلُ الحَيِّ مُقْوَرَّة ً حُدْبا |
وَيَسْتَمْطِرُ العافونَ مِنْهُ أَنامِلاً | أَبى الجُودُ أَن يَسْتَمطِروا بَعْدَها سُحبا |
رأَى عِنْدَهُ الأعداءُ مِلْءَ عُيونِهِمْ | مَناقِبَ لَو فازُوا بِها وَطِئو الشُّهبا |
فَوَدُّوا مِنَ البَغْضاءِ أَنَّ جُفونَهُمْ | عَقَدْنَ بِهُدبٍ دونَ رُؤيَتِها هُدبا |
ولم يُتلعُوا أعناقَهُم نَحْوَهُ هَوى ً | ولا عَفَّروا تلكَ الجِباهَ لهُ حُبّا |
ولكنّهمْ هابُوا مَخالِبَ ضَيْغَمٍ | يَجوبُ أَديمَ الأرضِ نَحْوَهُمُ وَثْبا |
أَبا خالدٍ إِنّي تَرَكْتُهُمُ سُدًى | وَأَحْسابُهُمْ فَوْضَى ، وَأَعْراضُهُمْ نُهْبى |
وَصَدَّقَ قَوْلي فيكَ أَفْعالُكَ الّتي | أَبَتْ لِقَريضي أَنْ أُوَشِّحُهُ كِذْبا |
وَهَزَّكَ مَدْحٌ كادَ يُصيبُكَ حُسْنُهُ | وَفي الشِّعْرِ ما هَزَّ الكَريمَ وَما أَصْبَى |
يُحَدِّثُ عنهُ البَدْرُ بِالشَّرْقِ أَهْلَهُ | وَيَسألُ عنه الشَّمسَ مَنْ سَكَنَ الغَرْبا |
وَمَنْ لم يُراقِبْ ربَّهُ في رَعيَّة ٍ | أّخِشَّتُهُ تُدمي عَرانينُهُم جَذَبا |
فإنَّكَ أَرْضَيْتَ الرّعايا بِسيرَة ٍ | تَحَلَّتْ بِها الدُّنيا وَلَمْ تُسْخِطِ الرَّبّا |