مالي تُطيحُ صُروفُ الدَّهر أخياري
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
مالي تُطيحُ صُروفُ الدَّهر أخياري | والمرءُ من كلِّ شيءٍ حازَه عارِ |
يَزْهَى بجارٍ ودارٍ وهْيَ آهلة ٌ | حتّى يصيرَ بلا جارٍ ولا دارِ |
وسِيقَ سَوقاً عنيفاً غيرَ مُتَّئدٍ | إلى التي نبشتها كفُّ حفارِ |
في قعرِ شاحطة ِ الأعماقِ حالكة ٍ | سدتْ مطالعها بأحجارِ |
هَوَى إِليها بلا زادٍ سِوى أَرَجٍ | من مندلٍ عبقٍ أو سحقِ أطمارِ |
ذاقَ الرَّدى دافعُ القصرِ المَشيدِ بهِ | و ناعمٌ بين جناتٍ وأنهارِ |
لم يُغنِ عنه وقد همَّ الحِمامُ بهِ | أنْ باتَ من دونِ أردامٍ وأستارِ |
أمّا الزَّمانُ فغدَّارٌ بصاحبهِ | وما الشّقاوة ُ إِلاّ حبُّ غدَّارِ |
فبينما هو يُعطيني ويُوسِعُ لي | حتّى يكونَ بهِ فَقري وإِعساري |
فليس يُنصفُني مَن عاد يظلمُني | و ليس ينفعني من كان ضراري |
وكيف أبلغُ أوطاري بذي خَطَلٍ | ما كان إلاَّ به حرمانُ أوطاري ؟ |
ندورُ في كلِّ مَخشاة ٍ ومَرْغَبَة ٍ | من تحتِ مُستعجل الوثباتِ دوَّارِ |
كأنَّنا تَترامانا نوائبُهُ | عصفٌ ترامى به سوراتُ تيار |
ظِلُّ وشيكٌ تَلاشِيهِ وأفنِيَة ٌ | موضوعة ٌ نصبَ إخرابٍ وإقفارِ |
لا تأمننَّ صروفَ الدهر مغمضة ً | إِغماضَ ليثٍ منَ الأرواح مُمْتارِ |
الدَّهرُ سالبُ ما أعطَى ومانِعُهُ | فما الصَّنيعُ بدينارٍ وقِنطارِ |
تُقيمُ منه على عوجاءَ زائلة ٍ | ومائلٍ مُزلِقِ الأرجاءِ مُنهارِ |
والمرءُ مادامَ مأسوراً بشهوتِهِ | معذَّبٌ بينَ إِحلاءٍ وإمرارِ |
طوراً جديباً وطوراً ذا بلهينة ٍ | فمَن عَذيريَ من تاراتِ أطواري؟ |
من عائدي من جوى همٍّ يؤرقني | نَفى رقادي وجافَى بينَ أشفاري؟ |
أرعَى نجوم الدُّجَى أنَّى مسالكُها | ولانديمَ سِوى بثِّي وأفكاري |
لحادثٍ في أخٍ ماكنتُ أحذرُه | وأينَ من حادثاتِ الدهرِ إحذاري؟ |
لما دعا باسمه الناعي فأسمعني | ضاقتْ عيّ هموماً كلُّ أوطاري |
ولُذتُ عنه بإنكاري منيَّتَهُ | حتى تحقق شرادٌ بإنكاري |
فالآن بين ضلوعي كلُّ لاذعة ٍ | تدمى وحشو جفوني كلُّ عوارِ |
رزئتهُ حاملاً ثقلي ومضطلعاً | شحاً عليها من الأقوام أسراري |
فيا دموعي كوني فيه واكفة ً | ويا فؤادي أحترقْ جرَّاهُ بالنّارِ |
عرِّجْ على الدّارِ مُغبرّاً جوانبُها | فاسأل بها عجلاً عن ساكني الدارِ |
كانتْ تَلألأُ كالمصباح وهْيَ بما | جنى عليها الردى ظلماءُ كالقارِ |
وقلْ لها: أَين ماكنَّا نراهُ على | مرَّ الندى بكِ من نقضٍ وغمرار ؟ |
وأينَ أوعية ُ الآدابِ فاهقة ً | تجري خِلالَكِ جَريَ الجدول الجاري؟ |
وأينَ أبكارُ فضلٍ جئنَ فيكِ وقد | جاءَ الرِّجالُ بعُونٍ غيرِ أبكار؟ |
و أين طيبُ ليالٍ فيك ناعمة ٍ | كأنهنّ لنا أوقاتُ أسحارِ ؟ |
يا أحمدُ بن عليٍّ والردى عرضٌ | يزورُ بالرُّغم منّا كلَّ زَوّارِ |
نأى يشقُّ مداهُ أن تقربهُ | قلائصٌ طالما قربن أسفاري |
علقتُ بحبلٍ غيرِ منتكثٍ | عند الحفاظِ وعودٍ غيرِ خوّارِ |
و قد بلوتك في سخطٍ وعند رضيً | |
فلم تفذنيَ إلا ما أضنُّ به | ولم تَزدنيَ إِلاَّ طيبَ أخبارِ |
لاعارَ فيما شربتَ اليومَ غُصَّتَهُ | منَ المنونِ وهل بالموتِ مِن عارِ |
ولم يَنلْكَ سِوى ما نال كلَّ فتى ً | عالي المكانِ ولاقَى كلَّ جبّارِ |
فلو وَقَتْكَ منَ الأقدار واقية ٌ | حماكَ كلُّ طَلوعِ النَّجد مِغْوارِ |
إذا دعتهُ من الهيجاء داعية ٌ | سَرى إلى الموتِ مثلَ الكوكِب السَّاري |
ما كان ثاري بناء عن منال يدي | لو كان في غير أثناء الردى ثاري |
فاذهبْ كما ذهبتْ سراءُ أفئدة ٍ | أو أمنُ خائفة ٍ أو نيلُ أوطارِ |
عريانَ من كلّ ما عيبَ الرجالُ به | صِفْرَ الحقيبة ِ من شيءٍ من العارِ |
و لا يزلْ خضلِ الهدابِ يقطره | على تُرابك سَحّاً ذاتُ إعصارِ |
حتى يُرى بينَ أجداثٍ يحاورُها | ريانَ ملآنَ من زهرٍ ونوارِ |