أما سمعتَ حَمامَ الأيْكِ إذْ صَدَحا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أما سمعتَ حَمامَ الأيْكِ إذْ صَدَحا | غنى َّ ولم يدرِ أني بعضُ منْ جرحا ؟ |
لم أقترحْ منه ما غنَّى الغداة َ بهِ | و ربّ منْ نال " ما " يهوى وما اقترحا |
و لي جفونٌ من البلوى مسهدة ٌ | لا تعرفُ الغمضَ مما ترقبُ الصبحا |
فقلْ لممرضِ قلبي بعد صحتهِ | إنَّ السّقيمَ الّذي أدويتَ ما صَلُحا |
قد جَدَّ بي المزحُ من صَدٍّ دُهيتُ بهِ | وطالما جدَّ بالأقوامِ من مَزَحا |
ماذا على القلبِ لولا طولُ شِقْوتِهِ | مِنْ نازلٍ حلَّ أو من نازحٍ نَزَحا |
يا مُثْكِلي نومَ عينٍ فيهِ ساهرة ٍ | جَفْني عليك بدمعي فيك قد قُرِحا |
وفيَّ ضِدّانِ لا أسطيعُ دَفْعَهُمَا | نارٌ بقلبي وماءٌ بالهَوى سَفَحا |
و قد عذلتمْ فؤاداً بالهوى كلفاً | لو كان يقبل نصحاً للذي نصحا |
صَحا الّذي يشربُ الصَّهْباءَ مُتْرَعة ً | وشاربُ الحبِّ أَعيا أنْ يُقالَ: صَحا |
لم يبرحِ الوجدُ قلبي بعد أن عذلوا | على صَبابتِهِ لكنَّه بَرِحا |
وقد ثَوى أُمَّ رأسي للصَّبابة ِ ما | ما يغرى بمعصيتي منْ لامني ولحا |
ليتَ الفراقَ الذي لا بدّ أكرعُ منْ | كاساتهِ الصبرَ صرفاً لا يكون ضحا |
و ليت أدمَ المهاري الناهضات بما | تَحوي الهوادجُ كانت رُزَّحًا طُلُحا |
طوَوْا رحيلَهُمُ عنِّي فنمَّ بهِ | عَرْفُ اليَلَنْجوجِ والجادي إذا نَفَحا |
وقد طلبتُ ولكنْ ما ظَفِرتُ بهِ | منَ الفراقِ الّذي أَمُّوه مُنْتَدَحا |
أهوى من الحيَّ بدراً ليس يطلعُ لي | يوماً وظبى َ فلاة ٍ ليته سنحا |
أَبَتْ ملاحَتُهُ من أنْ يجودَ لنا | فليتهَ في عيونِ العشقِ ما ملحا |
و كان لي جلدٌ قبلَ الغرامِ به | فالآن أفنى اصطباري وجدهُ ومحا |
و زائرٍ زارني والليلُ معتكرٌ | و الصبحُ في قبضة ِ ما وضحا |
كأنَّهُ كَلِمٌ راعَتْ وليس لها | معنى ً ولمعة ُ برقٍ خلبٍ لمحا |
لو أنه زارني والعينُ ساهرة ٌ | أعطيتُه من نصيبِ الشُّكرِ ما اقترحا |
أعطى إلى العين مني قرة ً وأتى | قلبي فأذهبَ عنه الهمَّ والترحا |
زورٌ أبيتُ به جذلانَ منتفعاً | و كم من الزورِ ما طرنا به فرحا |
وباتَ يسمحُ لي منه بنائِلِهِ | لكنه راجعٌ فيما بهِ سمحا |
يا صاحبي إنْ تردْ يوماً موافقتي | فقد بلغتَ بيَ الأوطارَ والنُّجَحا |
جنبنيَ اللهوَ في سرٍّ وفي علنٍ | وعاطِ غَيري إذا غنَّيتَه القَدَحا |
و لا تهبْ بي إلى ثنييْ بلهنية ٍ | واجعلْ نِداءَك لي من فادحٍ فَدَحا |
فلستُ أفرحُ إلاّ بالذي مدحتْ | مني الرجالُ فلا تطلبْ ليَ الفرحا |
وكنْ إذا اصطبَحَ الأقوامُ في طَرَبٍ | بالمجدِ مغتبقاً والحمدِ مصطحبا |
منْ لي بحرٍّ من الأقوامِ ذي أنفٍ | يَنْحو طريقي الذي أنحوهُ حينَ نَحا |
تراهُ والدَّهرُ شَتَّى في تقلُّبِهِ | لا يقبلُ الذُّلَّ كيما يقبلُ المِنَحا |
و إنْ مضى لم تعجهُ الدهرَ عائجة ٌ | ولا يُقادُ إلى الإقدامِ إنْ جَنَحا |
حلفتُ بالبيتِ طافتْ حوله عصبٌ | مِن لاثمٍ ركنَه أو ماسحٍ مَسحا |
و البدنِ حلتْ ثرى جمعٍ وقد " ودجتْ " | وإنَّما بلغَ الأوطارَ مَن رَزَحا |
و بالحصياتِ يقذفنَ الجمارُ بها | و بالهدى على وادي منى ذبحا |
و شاهدي عرفاتٍ يومَ موقفهمْ | يَسْتصفحون كريمًا طالما صَفَحا |
لقد حللتُ من العلياءِ أفنية ٍ | ما حلها بشرٌ نحو العلا طمحا |
و قد منحتُ وضلّ الناسُ كلهمُ | عنه طريقاً لطيبِ الذكر ما فتحا |
كان الزمان بهيماً قبل أنْ منحتْ | فضائلي جلده الأوضاحَ والقرحا |
و قد رجحتُ على قومٍ وزنتُ بهمْ | وما عليَّ منَ الأقوامِ مَنْ رَجَحا |
فإنْ كدحتُ ففي عزٍّ أضنُّ به | و ضلّ منْ في حطامٍ عمره كدحا |
ما زلتُ أسا وباقي الناسِ أبنية ٌ | وكنتُ قُطبًا وحولي العالمون رَحا |
و أيُّ ثقلٍ وقد أعيا الرجالَ على | ظهري الذي حمل الأثقال ما طرحا ؟ |
وسُدْتُ قَوميَ في عصرِ الصِّبا حَدَثًا | و لم يسودوا مشيباً لا ولا جلحا |
فكمْ قدحتُ وأضرمتُ الورَى لَهبًا | و كمْ من الناس قد أكدى وما قدحا |
فقلْ لقومٍ غرستُ البِرَّ عندَهُمُ | فما رَبحْتُ وكم من غارسٍ رَبِحا: |
ليتَ الّذي غرَّ قلبي من تجمُّلكُمْ | ما سال فينا له وادٍ ولا رشحا |
وليتني لم أكن يومًا عرفْتُكم | و كنتُ منكمْ بعيدَ الدار منتزحا |
قد عاد صدريَ منكمْ ضيقاً حرجاً | و كان من قبل أنْ جربتُ منشرحا |
فلا تروموا لِوُدِّي أوْبَة ً لكُمُ | إنّ الجوادَ جوادَ الودَّ قد جمحا |
طرحتموني كأنّي كنتُ مُطَّرَحًا | و لمتموني كأني كنتُ مجترحا |
وخلتُ أنَّكُمُ تجزونَني حَسَنًا | فالآن أوْ سعتموني منكمُ القبحا |
فلا تَظنُّوا اصطلاحًا أنْ يكونَ لنا | فلمْ يدعْ ما أتيتُمْ بيننا صُلُحا |
و لو جزيتكمُ سوءاً بسوءتكمْ | لكنتُ أنْبِحُ كلبَ الحيِّ إنْ نَبَحا |
و لا سقتكمْ من الأنواءِ ساقية ٌ | و لا نشحتمْ إذا ما معشرٌ نشحا |
ولا يَكُنْ عَطَنٌ منكُمْ ولا وَطَنٌ | مُتَّسعًا بالّذي تَهْوَوْنَ مُنفسِحا |
و لا لقيتمْ بضراءٍ لكمْ فرجاً | ولا أَصَبتم بسرّاءٍ بكُمْ فَرَحا |