أَلا بكِّها أُمَّ الأسَى والمصائبِ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أَلا بكِّها أُمَّ الأسَى والمصائبِ | بدمعك سَحًّا بينَ سارٍ وساربِ |
وعاصِ الّذي لم يُهمِ ماءَ جُفونِهِ | على فقدِ ماضٍ أو على إِثْرِ ذاهبِ |
ولا تُغرِنِي بالصَّبْرِ والصَّبرُ مالَه | طريقٌ إلى ما في الحشا والتّرائبِ |
تلومُ على ما بي وأنتَ مُسَلَّمٌ | وقد جبَّ هذا الرُّزءُ دونك غاربي |
وإنّيَ مَبْلُوٌّ بما لم تُبَلْ بِهِ | فلا تُبلِني فيه بلومِ المعاتبِ |
وما مسّني فيما مضى مُشبهٌ بهِ | ولا مرَّ شاجٍ لي شجاهُ بجانِبي |
مصابٌ هوى بالشُّمِّ مِن آل هاشمٍ | وضَعْضعَ رُكنًا من لُؤَيِّ بنِ غالبِ |
ولم يمض إلاّ بالشَّواة عن الشّوى | ولم يرضَ إلاّ بالطُّلى والذَّوائبِ |
وناعٍ نعى نفسي ولم يدرِ أنّه | نَعاها فأغراها بلَدْمِ تَرائبي |
ولم أشفِ ما بي من جوًى ومَضاضة ٍ | بقرع جبيني أو عضيض رواجبي |
تمنَّيتُ لمّا أنْ أتى وهْوَ صادِقي | على الرّغم منّي أنه كان كاذبي |
نسيبيَ بالودّ الصّحيح "وفضلة ٌ" | على ودّنا ما بيننا من مَناسِبِ |
وما ضرَّ مَن كانَ القريبُ مودَّة ً | مُقَرَّبة ً أنْ لم يكُنْ من أقاربي؟ |
عططتُ اصطباري عنه لمّا فقدتُهُ | عليه ولم أقنع بعطّ جلاببي |
ولمّا تُوُفِّي "الزينبيُّ محمّدٌ" | وسارت بما لاقاه أيدي الرَّكائبِ |
نفضتُ منَ الخُلاّنِ كَفِّيَ بعدَهُ | ولوّيتُ عن دار الأخوّة جانبي |
وغاضتْ دموعي في الشّؤونِ فلَمْ تسِلْ | |
فلا مُطمِعٌ من سائر النّاس مُطمِعِي | ولا رائبٌ من بَنْوة ِ الدّهر رائبي |
وإنَّ ودادي بعده لمَّ نَفسَه | وحاصَ امتراقاً من أكفِّ الخواطِبِ |
فلا تُدنِنِي يوماً ديارَ مَسرّة ٍ | ولا تغشَ بي إلاّ بيوت المنادِبِ |
فمن ذا الذي يرجو البقاءَ ونحنُ في | يمين الرّدى طوعاً وأيدي المعاطِب |
نُساقُ إلى المكروهِ من كلِّ وُجهِة ٍ | ونُلوَى عنِ المحبوب لَيَّ الغرائبِ |
ونُطوى كما تُطوى البُرودُ بحفرة ٍ | مُطمّمة ٍ أعيتْ على كلّ هارب |
فثاوٍ بها طولَ المدى غيرُ راحلٍ | وماضٍ إليها بالرَّدى غيرُ آئبِ |
ونُعدى بداء الموتِ ممَّنْ أَصابه | وعدوى المنايا غيرُ عدوى الأجارب |
ولم يَعْرَ جِلدِي كلما ذَرَّ شارقٌ | لرامي المنايا من سهامٍ صوائِبِ |
فيثلمُني مَن لا أراهُ بناظري | ويجرحني من ليس لي بمحارِبِ |
وما غرّني منها سلامة ُ سالمٍ | فكمْ سالمٍ من حولِهِ أَلفُ عاطِبِ |
فإنْ تُبقِني الأيّامُ بعدكَ للأسَى | عليك وحزني فائضٌ غيرُ ناضِبِ |
فإنّيَ قوسٌ ما لها منك أسهُمٌ | ونصلُ قراعٍ ما لَهُ من مَضارِبِ |
ونارٌ بلا صالٍ وضيفٌ بلا قِرى | وليلٌ بهيمٌ ما له من كواكِبِ |
فإنْ لم يكن شوك القَتادِ من الأسى | غليكَ فراشًا لي فشَوْلُ العقاربِ |
أبادَ الرَّدى أهلي وأَفنى معاشِري | وفرّق ما بيني وبين عصائبي |
وعاث زماني في قبيلي وتارة ً | يذعذع ما بيني وبين أصحابي |
وأسمعني في كلِّ يومٍ وليلة ٍ | نشيج البواكي أو حنينَ النَّوادبِ |
وأَعرَى يميني من إخاءٍ شريتُهُ | وأعَددْتُهُ ذُخرًا بسَوْمِ التجارِبِ |
كأنِّيَ عَوْدٌ في يديهِ مُذَلَّلٌ | تجذِّبُهُ للعَقْرِ أيدي الجواذِبِ |
له مَنسِمٌ من كلِّ فِهْرٍ مُشجَّجٌ | "ويُبلى " قَراه كلَّ يومٍ براكبِ |
ومن عَجَبٍ أَنّي طرحتُك في الثرى | بملْعَبَة ٍ بينَ الرِّياحِ الجنائبِ |
ووسّدْتُكَ البَوْغاءَ من بعد بُرْهة ٍ | توسَّدتَ فيها طالعاتِ الكواكب |
فإنْ تخفَ عنّا في التراب فإنَّما | خفيتَ وقد أطلعت غُرَّ المناقبِ |
وإن تُبْلَ في قعر الضَّريح بِغَيْهبٍ | فقد طالما بيّضتَ سود الغياهبِ |
وإن تُضحِ محبوساً عن النُّطق بالرّدى | فما زلتَ في الأقوام أوَّلَ خاطِبِ |
وما أنصف الأقوامُ خلَّوْك في الثرى | وراحوا إلى أوطارهمْ والملاعِبِ |
وما جانَبوك عن قِلاهُمْ وإنَّما | تناءَوْا جميعاً عن بعيدٍ مجانِبِ |
هُمُ أَودعوك التُّربَ عَمدًا وَوَدَّعوا | على رَغْمهم خيرَ اللِّحى والحواجِبِ |
فإنْ حملوا صَعْبًا عليكَ فطالما | تحمّلْتَ عنهم مُضْلِعاتِ الصّعائبِ |
وإنْ أسعفوك بالنّحيب توجّعاً | فمن بعدِ أن أسعفتَهمْ بالحرائبِ |
فقدْتُك فقدي مِقْوَلِي يومَ حاجتي | إلى القولِ أوْ سيفي غداة َ التضَّاربِ |
ولم يُعْيني إلاَّ الَّذي يطرقُ الفتى | وإلاَّ فإنّي غالبٌ كلَّ غالبِ |
وكم سَلَبٍ أَجرى الدِّماءَ جفونَنا | ولم تجنِهِ فينا يمينٌ لغاضِبِ |
فلا أرَبٌ في الدّهر إلاَّ محوتَه | فبِنْ بالمُنى عنّا وكلِّ المآرِبِ |
أيا ذاهبًا ولَّى وخلَّفَ بعدَهُ | عليَّ منَ الأحزانِ مِلْءَ جوانبي |
وأخطَرَني من بعدِ أنْ كانَ لي حِمًى | وأفردَني من بعد أنْ كانَ صاحبي |
وُهبتَ لنا ثُمَّ ارتُجعتَ إلى الرَّدى | فما لي انتفاعٌ بعدَها بالمواهبِ |
فإنْ لم أكنْ مَيْتًا كما أنتَ ميِّتٌ | فما لِيَ في عيشي نصيبٌ لراغِبِ |
وإنْ حجّبوك عن لقائِيَ بالثّرى | فما حَجَبوا حُزني عليك بحاجِبِ |
وإن تمضِ صِفْرَ الكفّ من كلّ ثروة ٍ | فقد بِنتَ صِفْرًا من جميع المعايِبِ |
بقلبِيَ نارٌ من فراقك ليتها | ولا بدَّ منها اليومَ نارُ الحُباحبِ |
ومن أينَ لي من بعدِه بَدَلٌ بهِ | وأين بديلٌ عن زُلالٍ لشاربِ؟ |
فتًى أقفَرتْ منه ديارُ مَودَّتي | وخُولستُ أحبابي بها وحبائبي |
وفارقني لا عن مَلالِ وِصالِهِ | وكم مللٍ لي من لصيقٍ مصاقِبِ |
وقال خليلي: حزنُك اليومَ مُسرفٌ | كأنّ عليكَ الحزنَ ضربة ُ لازبِ |
لَعَمْرُ اللّواحي إنّها لمصيبة ٌ | ولكنّها ليست كباقي المصائِبِ |
وقد نابكمْ ما نابكمْ فتأمّلوا | أمرَّ لكُمْ مِثلٌ لها في النَّوائبِ؟ |
أعِنِّي على ما بي وإلاّ فخلِّني | فلستَ وما ثِقْلي عليك بصاحبي |
ولا تُسلِنِي عمّا مضى بالّذي تَرى | فقد حِيزَ عنِّي خيرُ ما في حقائبي |
ولو أنَّ غيرَ الموت ضامك وحدَه | دفعناه بالبيض الرّقاق المضارِبِ |
ومُدَّتْ إليه من رجالٍ أعزَّة ٍ | طوالِ الخُطا أيدي القنا والقواضبِ |
إذا ركبوا لم يرجعوا عن عزيمة ٍ | وإن غضبوا لم يحفِلوا بالعواقِبِ |
هُمُ أَطعموا سُغبَ الصَّوارمِ والقَنا | طِعانًا وضَربًا من لحومِ الكتائِبِ |
وما عُظِّموا في النّاسِ إلاّ بحقِّهمْ | وما قُدِّموا في القومِ إلاّ بواجبِ |
وهمْ أخجلوا بالجدْب كلَّ مجاودٍ | وهمْ غلبوا في الحرب كلَّ مُحاربِ |
عليكَ سلامٌ لا انقطاعَ لِوَبْلِهِ | يجودُ وإنْ ضنَّتْ غِزارُ السَّحائِبِ |
ولا زِلتَ مطلولَ الثَّرى أرِجَ النَّدى | تضوع ذَكاءً من جميعِ الجوانِبِ |
وإنْ مسَّتِ الأرواحُ تربَك مسَّة ً | فمُرُّ نسيمِ المُعيباتِ اللّواعبِ |
وأولَجَكَ اللهُ النّعيمَ ولا تكنْ | بجنّاتِهِ إلاّ عَلَّى المراتبِ |