أرشيف المقالات

منشور المندوب السامي في فلسطين

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
(حدثت الفتن الأخيرة في فلسطين والمندوب السامي البريطاني مصطافًا في بلاده بالإجازة، وقد تعجل العودة، ولم يلبث بعد وصوله إلى القدس أن نشر في البلاد بلاغًا دل على تحيزه إلى اليهود والصهيونية هذا نصه) . عدت من المملكة المتحدة فوجدت بمزيد الأسى أن البلاد في حالة اضطراب، فأصبحت فريسة لأعمال العنف غير المشروعة. وقد راعني ما علمته من الأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار، سفاكي الدماء، عديمي الرأفة، وأعمال القتل الوحشية التي ارتكبت في أفراد من الشعب اليهودي خلوًا من وسائل الدفاع بقطع النظر عن عمرهم، وعما إذا كانوا ذكورًا أو إناثًا، والتي صحبتها - كما وقع في الخليل - أعمال همجية لا توصف، وحرق المزارع والمنازل في المدن وفي القرى ونهب وتدمير الأملاك. إن هذه الجرائم قد أنزلت على فاعليها لعنات جميع الشعوب المتمدنة في أنحاء العالم قاطبة. فواجبي الأول أن أعيد النظام إلى نصابه في البلاد، وأن أوقع القصاص الصارم بأولئك الذين سوف يثبت عليهم أنهم ارتكبوا أعمال العنف، وستُتخذ التدابير الضرورية لإنجاز هاتين الغايتين، وبناء عليه أطلب من جميع سكان فلسطين أن يساعدوني على القيام بهذا الواجب، ووفاقًا لتعهد أعطيته للجنة التنفيذية العربية قبل مغادرتي فلسطين، في شهر حزيران المنصرم تباحثت في أثناء وجودي بإنكلترة مع وزير المستعمرات بشأن إجراء تغييرات دستورية في فلسطين، غير أني سأؤجل هذه المباحثات مع حكومة جلالته بسبب الحوادث الأخيرة. ولكي أضع حدًّا للأخبار الملفقة التي ذاعت أخيرًا حول موضع حائط المبكى (البراق) أعلن لعموم الأهالي بأنني عازم - وحكومة جلالته موافقة - على تطبيق المبادئ التي ينطوي عليها الكتاب الأبيض الصادر في 19 تشرين سنة 1928 بعد تقرير الطرق لتطبيقها. صدر هذا اليوم الأول من شهر أيلول سنة 1929 ...
...
...
...
...
...
...
المندوب السامي والقائد العام ...
...
...
...
...
...
...
...
ج.
ر.
تشانسلور احتجاج اللجنة التنفيذية للمؤتمر الفلسطيني على منشور المندوب السامي على إثر المنشور الذي أصدره فخامة المندوب السامي مساء يوم أول أيلول الجاري أبرقت اللجنة التنفيذية العربية في فلسطين البيان التالي تعريبه إلى فخامته. اطّلع عرب فلسطين بدهشة عظيمة على منشور فخامتكم الصادر في 1 أيلول 1929، ولم يكن أحد منهم يتوقع أن يرى (إغفال) الحقائق التي عرفها القاصي والداني، والتي اعترفت بها الحكومة وهي: 1- أن أكثر اليهود كانوا مسلحين من أنفسهم. 2- أن الحكومة قد سلَّحت عددًا منهم. 3- أنه لا يوجد في قتلى اليهود تمثيل أو تشويه حتى في الخليل كما يؤيد هذا تصريح إدارة الصحة العامة البريطانية في فلسطين. 4- أن بعض قتلى العرب قد مثَّل اليهود بهم. 5- أن جموع اليهود قد قتلت نساء وأطفالاً من العرب على الانفراد. 6- أن اليهود هم الذين بدأوا في قتل النساء والأطفال من العرب. 7- أن الجنود البريطانية النظامية قتلت النساء والأطفال والرجال من العرب في بيوتهم وعلى فرشهم في قرية صور باهر وغيرها. 8- أن اضطرابات فلسطين السابقة والحالية إنما هي ناشئة مباشرة عن السياسة البريطانية الصهيونية التي ترمي إلى إفناء القومية العربية في وطنها الطبيعي لكي تحل محلها قومية يهودية لا وجود لها. كل هذه الحقائق لم يكن أحد من العرب يتوقع إغفالها في منشور صادر على عجل وسابق لأوانه، وتعلمون فخامتكم أن عرب فلسطين قد خسروا كل شيء من جراء هذه السياسة الصهيونية فلا يهمهم أي زيادة في الخسارة، وعليه فإن الجنود البريطانية ستجدهم عُزَّلاً من السلاح عند إنزال أي ضربة بهم، فإن كان لم يزل ثمة عدالة يحق للعرب أن يطلبوا نصيبهم منها، فهم يلحون بطلب إجراء تحقيق نزيه من قبل أشخاص من خارج فلسطين، لا يتأثرون أثناء قيامهم بواجبهم نحو العدالة بالنفوذ الصهيوني. وإن التحقيقين اللذين أُجريا في فلسطين في ظروف مماثلة سابقة من قبل لجان بريطانية قد أظهرا للملأ مطالب العرب الحقة ومقاصدهم القومية النبيلة، كما أظهر مصائبهم السياسية. إن العرب يعتقدون كل الاعتقاد أن تحقيقات نزيهة كتلك ستروي للعالم حكاية حالهم الآن في هذه الاضطرابات الحاضرة رواية أكثر صدقًا مما صورتموه للعالم في منشوركم الصادر قبل إعطاء العرب فرصة لاستماع صوتهم، وعندئذ يرى العالم أن اليهود الذين تجاوزوا التحرش السياسي إلى الديني، والذين أصبح تحرشهم في المدة الأخيرة مما لا يحتمل - كما صرَّحت بهذا الحكومة - والذين كانت أعمالهم الفظيعة في هذه الاضطرابات ينطبق عليها كلام فخامتكم في منشوركم بحق العرب، هم المسئولون أولاً عن الاضطرابات الحالية السياسية التي تؤيد ثانيًا. وإن مثل هذا المنشور كان ينبغي إصداره بعد إجراء التحقيقات التي ينشدها العرب وليس قبل إجرائها، فلذلك نحن نتأكد أنكم لو أعدتم النظر في الحالة الحاضرة لوصلتم إلى حكم عادل. ...
...
...
في 28 ربيع الأول سنة 348 الموافق 2 أيلول 929 ...
...
...
...
...
رئيس اللجنة التنفيذية العربية ...
...
...
...
...
موسى كاظم الحسيني ...
...
...
...
...
...
...
الأمناء ...
...
...
مغنم إلياس مغنم.
عوني عبد الهادي.
جمال الحسيني *** احتجاج جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة وجوابها على منشور فخامة المندوب السامي جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس تتلقى بمزيد الدهشة والأسف استعجال فخامتكم في إصدار منشور 1 أيلول سنة 1929، الذي يحمل على العرب حملة غير عادلة مغفلاً ما اقترفه اليهود في يافا والقدس وغيرهما، وقام به الجنود البريطانيون في صور باهر وقالونية وحيفا من الفظائع والقتل في الأطفال والنساء والشيوخ من العرب، وهم عُزَّل من السلاح بعضهم عابر سبيل وبعضهم في بيته أو في صلاته، وهي تلفت نظر فخامتكم إلى ما يأتي: 1- إن إصدار الحكم في المنشور بناء على دعاية اليهود فقط، ومن غير أن تسمعوا الطرف الآخر، أو قبل أن يجري التحقيق من قِبَل هيئة عادلة غير متحيزة ولا متأثرة من النفوذ الصهيوني، هو ليس من العدل. 2- إن تغاضيكم في المنشور عما اقترفه اليهود والجنود البريطانيون من الفظائع في هذه الفتنة، وعدم تحميلكم المسئولية عن المسببين والبادئين سيتلقاه العرب خاصة، والعالم الإسلامي عامة بمزيد الدهشة والاستياء. 3- يخشى أن تكون لهجة المنشور قد فهم منها اليهود تحريضهم وإغراءهم لأنهم لم يكادوا يتلقون هذا المنشور حتى قاموا في ذات الساعة بالتعدي على أحمد محمد عوض من لفتا أثناء مروره في الطريق وتهجموا عليه مئات يتناولونه بما في نفوسهم من غل لكمًا وضربًا حتى قضى نحبه في ذات الليلة متأثرًا من تلك الضربات الهمجية. 4- إن التسرع في الحكم القاسي يخشى أن يكون له أثره في الهيئات القضائية والهيئات التحكيمية مما يتنافى مع الرغبة في أن يأخذ العدل مجراه. 5- إن تهمة التمثيل في قتلى اليهود في الخليل ثبت لدى موظفي دائرة الصحة العامة من الإنكليز بطلانها وفسادها، وهي بلا ريب من أنواع دعايات اليهود الباطلة. 6- إن العرب عاشوا هم واليهود الوطنيين في هذه البلاد قرونًا طويلة من غير أن يتعدى بعضهم على بعض، أو يسعى فريق منهم لأن يجعل البلاد المقدسة التي هي مقر الأديان ومهبط الأنبياء ميدانًا لإثارة الفتن وإراقة الدماء، فلا يصح أن يوصم فريق العرب الذي اعتدي عليه جهارًا وتحرش به علنًا كما تعترف الحكومة، فقام يدافع عن نفسه وعن نسائه وأطفاله الذين قُتلوا ومُثِّل بهم وهم عُزَّل من السلاح، فلا يصح أن يوصم هذا الفريق المدافع المعتدى عليه بالهمجية والتوحش وحب سفك الدماء، وهذه القرون الماضية الطويلة شاهدة. فكان من واجب العالم المتمدن الذي صببتم لعناته على غير مستحقيها أن يفتش عن السبب الذي جعل مهبط الأنبياء ومقر الأديان ميدانًا واسعًا للفتن، فيسعى في إزالة هذا السبب باسم المدنية والإنسانية، وبذلك تعود فلسطين إلى ما كانت عليه من الهدوء والسكينة والاطمئنان. 7- نستغرب جدًّا أن يحمل المنشور في أمر التخريب والإحراق على العرب فقط، ويغفل ما قام به اليهود من هذا القبيل وحرقهم ونهبهم بيوتًا كثيرة وتعديهم على مقام الصحابي المشهور (سيدنا عكاشة) وهدم قبره وقبر المجاهدين حوله وإحراقها بعد تمزيق الستائر. 8- إن اليهود الذين أثار حماستهم وهاج هائجهم مقررات المؤتمر الصهيوني الذي عقد مؤخرًا في زوريخ، هم البادئون في الاعتداء والمثيرون لهذه الفتنة بالمظاهرة العنيفة التي قاموا بها في مكان البراق الشريف يوم 14 آب لأسباب لا تنحصر بالصلاة العادية وهم يحملون العلم الصهيوني ويخطبون الخطب كما جاء في بلاغ الحكومة الرسمي، وكانت خطبهم تحمل أنواع السباب والشتائم للمسلمين، ومن جهة أخرى ابتداؤهم في الاعتداء يوم 16 و17 و18 منه على العرب المنفردين في الأحياء اليهودية من رجال ونساء وأطفال، وإن حوادث قتل النساء والأطفال بدأت منهم. 9- إن العرب الذين لم تُبق لهم السياسة الحاضرة ما يأسفون عليه من حق سيتلقون مسلِّمين بصدرهم وهم عُزَّل من السلاح رصاص الجنود البريطانيين فيما إذا رأت الحكومة أن سياسة الوطن القومي تقضي بالبطش بهم، وإزهاق نفوسهم وإزالتهم من الوجود. فالعرب مع احتجاجهم الشديد على هذا المنشور يطلبون أن تقوم هيئة عادلة من الخارج لا يجد النفوذ الصهيوني إلى وجدانها إزاء واجب العدل سبيلاً بتحقيق دقيق في هذا الأمر، وحينئذ سترون فخامتكم أن لعنات العالم المتمدن ستنصب على المسببين وحدهم، كما أنهم يأملون إصدار منشور آخر بعد اطلاعكم على فظائع اليهود في يافا والقدس وغيرهما. ونحن واثقون بأن كل تحقيق عادل يجري بهذا الصدد سيكون حتمًا لصالح العرب، وسيظهر أن المسئول عن هذه الفتنة اثنان لا ثالث لهما: الأول: اليهود الذين تجاوزوا بمطامعهم واعتداءاتهم كل حد حتى المقدسات والحقوق الدينية. الثاني: السياسة غير العادلة وغير الطبيعية التي تعضد اليهود في مطامعهم واعتداءاتهم، والتي قضت بتأخير تنفيذ الكتاب الأبيض الصادر منذ عشرة أشهر. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. ...
...
في 29ربيع الأنور سنة 1348 في 3 أيلول سنة 1929 ...
...
جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة (المنار) إذا كنا نعتقد اعتقادًا جازمًا عن بحث وروية أن الإنكليز قلما أقدموا على عمل استعماري على جهل وقصر نظر كإقدامهم على جعل فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، وأنه لم يُعرف في تاريخهم ظلم مشوه مفضوح كظلمهم في فلسطين، وأن هذا العمل الذي قصدوا به إضعاف الأمة العربية وتقطيع أوصالها والحيلولة بين أقطارها المستعدة للوحدة لتسهيل استعبادها هو الذي يرجى أن يأتي بضد كل ما أرادوا من السوء والشر بالعرب، كما نعتقد اعتقادًا دينيًّا واستدلاليًّا أن اليهود لن ينالوا ما يبغون من إعادة ملك إسرائيل في هذه البلاد، ونظن ظنًّا راجحًا قويًّا أن الإنكليز يعتقدون اعتقادنا هذا، وأنهم يخدعون اليهود ليتخذوهم قوة لهم يهددون بهم العرب ويهددونهم بالعرب، وإنما كنا نخشى من دهاء الإنكليز ومكر اليهود أن يسيروا في خطتهم المشتركة بالحكمة والصبر والرفق والمداراة إلى أن يسلبوا من عرب فلسطين جل رقبة الأرض، ويجعلوهم كالأجراء فيها؛ ولكن الله سلَّم ورحم العرب بهذا الظلم المفضوح من الإنكليز، وهذا العدوان الأحمق من اليهود، فكان كل منهما مؤيدًا لاعتقادنا، وخاذلاً للفريقين، ومحبطًا لكيدهما ومكرهما بنا، فقد نبَّهت هذه الثورة الفلسطينية ما كان نائمًا من العصبية العربية والجامعة الإسلامية في الشرق والغرب وفي القلب الذي هو جزيرة العرب، ولو قتل ألوف من العرب في سبيل هذه الغاية لكان قليلاً، وقد كنا كتبنا في هذا الموضوع فصلاً طويلاً نرجئه للجزء التالي إذ لم له يتسع هذا الجزء.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣